«كل شيء في السياسة اتصال»، أو بعبارة أخرى «كل شيء في السياسة إعلام».. هكذا يقول علماء الإعلام السياسي، وإذا ما نظرنا لهذه «الحملة المسعورة» المتصاعدة في الإعلام الغربي «الحليف»، والمسلطة رماحها على قبلة الإسلام، بيت العرب، وقلعتهم الأخيرة، سندهم المعين، ولب هويتهم، وكينونة وجودهم، المملكة العربية السعودية، من هذا المنطلق..
فإن هذا الفعل مؤشر خطير يدعو للقلق، وللتحرك السريع والحكيم والمدروس في ذات الوقت.. وكما أشار معالي الدكتور أنور قرقاش في مقولته التي أوردتها الأسبوع الماضي: «لا بد من استراتيجية مضادة».
إن مثل هذه الحملات المنظمة والمقصودة، تتجاوز المهاترات والمشاكسات الإعلامية، وما تدعيه من دعاوى لـ «حفظ حقوق الإنسان»، لما هو أبعد وأخطر، فهي في واقعها استخدام خبيث للأداة الإعلامية، لتنفيذ سياسة خارجية لعدو يسعى للسيطرة والاستحواذ والعدوان، مستهدفاً بشكل مباشر، مصالحنا الحيوية، المتمثلة بعزلنا عن حلفائنا، وتحييدنا، وصولاً للمساس بمصالحنا العليا، وتهديد أوطاننا، وهو ما يشكل خطراً حقيقياً، لا يصح تجاهله..!
وعند الحديث عن المصالح التي تسعى السياسة لتحقيقها والحفاظ عليها، فإن ذلك يجرنا لأربعة أنواع (أو أربع طبقات)، تشكل في المجمل المصالح «الوطنية» و«العامة»، وفق ما يوردها علماء السياسة، هي كالتالي:-
1. المصالح العليا «Supreme Interests»: وسميت العليا، لأن الدولة تتزعزع وتنهار إن هي فقدتها: كالأرض «Territory»، والسكان «Population»، والبقاء «Survival»، والأمن «Security»، والأمان «Safety»، ويدخل الدين والهوية واللغة والعقيدة ضمن المصالح العليا المعنوية. ويطلق عليها مصالح عليا، لأنها ما يشغل فكر المسؤولين على مدار الساعة، والدولة لن تتردد في الدخول في حرب لضمانها وتأمينها وحمايتها.
2. المصالح الحيوية «Vital Interests»: وهي السياسات التي تتبعها الدولة لتأمين المصالح العليا، بالتعاون مع الخارج (كالدخول في أحلاف، ومعاهدات دفاعية سرية وعلنية: كحلف شمال الأطلسي، وحلف وارسو، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وحلف دعم الشرعية في اليمن.. وغيرها)، إن عدم تأمين المصالح الحيوية يؤدي في المحصلة لخلق فرص لتهديد المصالح العليا.
3. المصالح الاستراتيجية «Strategic Interests»: وهي المصالح المبنية على التفاعلات والعلاقات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف (اقتصادية، ثقافية... إلخ)، إنها تشكل محور العلاقات الدولية بكافة أشكالها، سواء ما كان منها على مستوى الفرد أو الحكومات أو مجموعات المصالح أو الدولة ككل. ونسترجع هنا الحكمة التي تقول «ما تفرقه السياسة تجمعه الخدمات».
4. المصالح البعيدة المدى العالمية «Long Term, Global Interests»: وهي أقرب للطموحات والأمنيات، أي أنه إن لم تتحقق، فلن تتأثر الدولة بذلك.
ولكي تتحقق هذه الأهداف والمصالح الوطنية، فإن هناك وسائل وأدوات لذلك، يتم من خلالها تنفيذ السياسة الخارجية للدول، تتمثل بما يلي:-
1. الوسائل السياسية: سواء من خلال المفاوضات السياسية الثنائية أو متعددة الأطراف، أو من خلال الأدوات الدبلوماسية الثنائية (السفارات)، أو الدبلوماسية متعددة الأطراف (المنظمات الدولية).
2. الوسائل الاقتصادية: وهي جوهر الوسائل التي تستخدم في المفاوضات، ويذكر السياسيون الاقتصاديون ثلاثة أنواع من هذه الوسائل، هي: السوق التجارية، وأسواق المال والاستثمار، وأسواق العملة. (كالرقابة والحظر التجاري، والتعريفات الجمركية وتجميد المساعدات).
3. الوسائل العسكرية: بحيث يمكن استخدام نوعين من الإجراءات، بحسب تقييم الأوضاع على الساحتين الدولية والداخلية (عنيفة: كالدخول في حرب، وغير عنيفة: كالتسلح المعلن، وإجراء المناورات العسكرية).
4. الوسائل الإعلامية (الاتصال الدولي): وهي لب حديثنا، وجوهر مقالتنا.. إنها الأداة الفاعلة لتنفيذ السياسة الخارجية، إذ يمارس الاتصال أدواراً مختلفة في عملية السياسة الخارجية، فهو: مراقب للشؤون الدولية Observer، ومشارك Participant في السياسة الخارجية، عن طريق ما يقدمه صانع السياسة لوسائل الإعلام واستخدامه لها..
وكذلك هو محفز ومثير للمبادرة Catalyst، التي تتخذ في عمليات السياسة الخارجية، فمن خلال الوسائل الإعلامية تخلق حركة سياسية تشكل موجة من الرأي العام، تفيد المفاوض وتدعم الموقف التفاوضي، أو تهيئ الرأي العام الدولي لتفهم مواقف تنوي الدولة اتخاذها، أو تضعف أو تفتت قوى معينة، في ضوء التوفيق الحركي للعملية التفاوضية على الساحة الدولية.
ومن هنا، فإن الحديث عن «القوة الناعمة»، يعني بالدرجة الأولى، توظيف «الإعلام العابر للحدود»، و«التواصل الشعبي مع الشعوب الأخرى» على التوازي، توظيفهما بطريقة صحيحة وحكيمة ومدروسة، لإيصال وجهات نظرنا بطريقة مناسبة للرأي العام لدى الدول الشقيقة والصديقة، وشرح سياساتنا و«نشر الحقائق» و«تعرية العدو»..
وأكرر «في ضوء التوفيق الحركي للعملية التفاوضية على الساحة الدولية».. فأن يفهمنا الرأي العام الدولي كما نحن، لا كما يريد العدو أن يصورنا.. هو بحد ذاته نصر حقيقي.. ونستكمل الحديث عن كيفية صياغة الاستراتيجيات للقوة الناعمة العربية والخليجية الأسبوع القادم بمشيئة الله.. فإلى اللقاء.