«داعش» لم يخرج من العدم.. بل له جذور، ومؤسسون، وداعمون.
ولنبدأ من التسمية، إذ لا يخفى على الجميع أن حروفه ترمز لمسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، والتي كان اسمها قبل دخول هذا التنظيم الإرهابي للأراضي السورية «الدولة الإسلامية في العراق».
أسسه أبومصعب الزرقاوي في 2006 من رحم التنظيم الذي كان يقوده، والذي أسسه في 2001 تحت اسم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، والتي أعلنت بيعتها صراحة لتنظيم القاعدة الأم.
قبل أن يسحب البغدادي هذه البيعة من القاعدة بسبب ما سماه نصاً «تعاونها مع إيران ومحابتها لها»، وموعزاً هذا الانشقاق إلى ما رآه من «تنسيق بين الظواهري وإيران»، وأن «داعش» يستغرب بزعمه «التوجيهات المستمرة من قيادة التنظيم بعدم توجيه ضرباتهم إلى الداخل الإيراني».
علاقة إيران بالقاعدة التي اعترف بها «داعش»، أخيراً، صحيحة ومثبتة ولا يمكن إنكارها، لكن الحقيقة أكبر من مجرد ذلك، فهذا التنسيق، بل والدعم الإيراني، قديم ومعروف حتى مع «القاعدة في بلاد الرافدين»، أي مع التنظيم الأساس الذي تحول إلى «داعش» فيما بعد، وليس حكراً على الظواهري وجماعته كما يحاول أن يُصور التنظيم. وبالتالي، فإن هذا الاعتراف من البغدادي هو مجرد محاولة هروب من حقيقة ارتباط نشأة «داعش» وعلاقته التأسيسية بدولة الإرهاب إيران.
سنتحدث عن حقائق، لا تحليلات أو تكهنات، حول نشأة هذا التنظيم الإرهابي ومن خلالها سنفهم لماذا تصر حكومتا بغداد ودمشق على عدم التدخل العسكري البري الدولي الحاسم للقضاء عليه، متذرعتان بالسيادة! وكأنهما استطاعتا حفظ سيادتيهما وأراضيهما من هذه العصابات الإرهابية! ولنعد بذاكرتنا للوراء قليلاً، وتحديداً حين قررت إيران، وتابعتها سوريا الأسد، استنزاف القوات الأميركية في العراق، فعمدتا لدعم «الإرهاب السني» في العراق، تحت غطاء دعم المقاومة العراقية، وذلك لتحقيق عدة أهداف استراتيجية لهما في المنطقة، منها: طرد القوات الأميركية من العراق، خصوصاً بعد أن أنهت هذه القوات بغباء مهمتها التي استدرجتها لها إيران من خلال عملائها، حيث قدمت أميركا للنظامين السوري والإيراني خدمة جليلة، بأن أزاحت لهما حكم النظام البعثي العراقي السابق، العدو اللدود لإيران، وللبعث السوري، وذلك في خطوة تمهيدية لتحقيق الهدف الذي يسعى له النظامان الإيراني والسوري في العراق: تمكين المليشيات الشيعية من الحكم.
وإنفاذاً لهذا المخطط، بدأ النظام السوري حينها بتبني خطاب منافق يدعي من خلاله مساندته العراقيين من أجل تحرير أراضيهم من الاحتلال، وعمد إلى القيام بتحركات شعبية، فسيّر تظاهرات عارمة في عدة مدن سورية، تندد بالاحتلال الأميركي وترفع شعارات تدعو إلى «دعم المقاومة»، وهو النظام القمعي المعروف بأنه لو تظاهر بضعة أشخاص في الشارع دون توجيه منه، فإنهم سيصبحون أثراً بعد عين. ومن المفارقات التي توضح أبعاد المخطط الإيراني السوري، أن هؤلاء الذين استضافهم نظام الأسد بكرم بالغ، وفتح لهم المكاتب الإعلامية والعسكرية، ودربهم وزودهم بالأسلحة وجوازات السفر، كانوا أول من هلل، وساند، وساهم في الغزو الأميركي للعراق، وقفزوا على ظهر الدبابة التي دخلت بغداد ومنها إلى حكم العراق.
لم يسبق لنظام الأسد أن سمح لحركة سياسية أو غير سياسية بحرية العمل والنشاط كما الحال مع الهيئات التي تسمي نفسها «لجان نصرة العراق»؛ إذ تحت ستارها عمل النظامان السوري والإيراني على جمع «المتطوعين» من كل دول العالم وإرسالهم إلى العراق. وبحسب تقارير، فقد عمل دعاة النظام ومنهم المفتي الحالي حسون على تجنيد وإرسال آلاف الانتحاريين واستجلابهم من كل مكان، وبرعاية وإشراف من العميل السوري (أبو القعقاع).
ويقول المعارض السوري كمال اللبواني: «أبو القعقاع اغتاله النظام فيما بعد وأداً للسر، أمام مسجده وأتباعه، لقد كان ومن معه يسهلون نقل السلاح، وقسم منه من مخازن حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية، وعندما عدت من زيارتي للولايات المتحدة واعتقلت في المطار. كانت أول كلمات علي مخلوف - رئيس فرع تحقيق الفيحاء - لي هي: هل تعلم أن كل ما يريده منا أصدقاؤك الأميركان، هو أن نتوقف عن إرسال المجاهدين إلى العراق، ونحن لن نفعل».
ولنتذكر في هذا السياق قصة العميل أبي مصعب الزرقاوي الذي جرى زراعته في أفغانستان، ثم لتكتشف الجهات الأمنية الأردنية تورطه في تهريب السيارات المفخخة من سوريا إلى لأردن، ليظهر بعدها في العراق إثر الغزو الأميركي. وذكرت تقارير أن الزرقاوي موجود في إيران بمعيّة عدد من قادة القاعدة التي فرّت من أفغانستان، قبل انتقاله إلى داخل العراق ليؤسس جماعة «التوحيد والجهاد»، والتي تغير اسمها فيما بعد إلى «القاعدة في بلاد الرافدين» فـ«داعش».