فلسطين والضمير العربي

ما يجري في الوطن العربي اليوم يدمي القلب، وخصوصاً أن ما نشاهده كل يوم هو المزيد من الضحايا، والمزيد من الدمار، الذي صنعته الأيادي الظلامية، وهي تحاول قتل إرادة الحياة في أرجاء مختلفة من الوطن العربي.

يقف المرء وهو يتابع الأخبار متسائلاً: لماذا كل الأخبار السيئة والمجازر والمعاناة البشرية الآن هي من نصيب منطقتنا، وهذا يجعل قدرة المرء على المتابعة محدودة، ويحاول الهرب من تلك المشاهد المكدرة، التي تنزع من المرء البهجة، وتحيله في أحسن الأحوال شخصاً لامبالياً، وقد يأخذ معه قراراً بأنه لن يتابع الأخبار، وحتى لو تابعها فإنها تصبح بالنسبة له أخباراً مألوفة لا تحرك لديه ساكناً.

حينما تصبح المعاناة لدى المرء يومية يحاول أن يعيش بطريقة، يهرب فيها للتخفيف من حدة المعاناة. هذا الأمر هو ما يجري لدى الفلسطيني، الذي يعيش يومياً مع عسف الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه اليومية في قتل الأبرياء، وفي عرقلة حياته اليومية، من خلال الحواجز الإسرائيلية العسكرية، التي تحيل تنقله داخل وطنه إلى عذاب يومي.

والفلسطيني لا سبيل لديه سوى التشبث بأرضه، التي يلتقط منها الحجارة، ليقاوم بها المحتل، الذي يدنس المسجد الأقصى في بيت المقدس، ويعمل على تقسيمه بين المسلمين واليهود، كما فعل في الحرم الإبراهيمي في الخليل، حينما قسّمه إلى شطرين.

يصبح الفن أحد الأساليب، التي يحاول الفنان فيها التخفيف من المعاناة، وأصبحت المواقع الإلكترونية وخصوصاً تلك التي توفر الصوت والصورة المتحركة مجالاً خصباً للتفريغ عن الاحتقان، ومجالاً فسيحاً للدعاية السياسية والاجتماعية.

ويلجأ الفنان إلى خياله لاستدعاء التراث والشخصيات الملهمة، للتعبير عن حلمه في مستقبل أفضل.

في أحد الفيديوهات، التي انتشرت عبر الهواتف الذكية نشاهد فيديو يحكي قصة فارس عربي جاء من العصور الإسلامية القديمة إلى زماننا هذا بطريقة سرمدية، فوجد نفسه في دولة فلسطين ليلتقي شادي البوريني الشاعر والمغني الشعبي الفلسطيني.

وما يلفت النظر في مثل هذا الفيديو بساطته في التعبير عن فكرة الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي أصبح في أيامنا هذه مجرد صراع فلسطيني- إسرائيلي بدلاً مما كان عليه قضية العرب الأولى، وخصوصاً أن العرب باتوا منشغلين في حروبهم الداخلية، والتقتيل الجماعي، والتكفير اللاعقلاني لشعوبهم. مثل هذا الفيديو يجد طريقه للانتشار السريع عبر الهواتف الذكية، وخصوصاً أنه يأخذ طابعاً غنائياً ودرامياً.

من يتأمل مثل هذا الفيديو سيمكنه الحوار بين الفارس العربي، وبين شادي البوريني أن ينتقل إلى ما هو أبعد من ظاهرة الحوار، فاستقدام فارس من زمن قديم فيه إدانة واضحة لعرب اليوم في موقفهم من القضية الفلسطينية، التي كانت يوماً ما هي قضية العرب الأولى، والهم اليومي لدى الجماهير العربية.

الفارس القديم هو حلم اليوم لاستنطاق الهمة العربية في ظل التناحر، والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد، وحينما يقف الفارس والشاعر معاً أمام القدس فإنهما يستلهمان التاريخ، ويستنهضان الهمم، التي انشغلت عن فلسطين، وما يجري على أرضها من استيطان بلع الأرض، ويتجاوز ذلك للاعتداء على حرمات المسجد الأقصى أولى القبلتين.

الضمير العربي مخدر، والعدو الإسرائيلي يرتاح على وقع الاقتتال العربي، وجرائم داعش، والإرهاب، ونزيف البلدان العربية من الأرواح والأموال.

الأكثر مشاركة