اعترف البرلمان اليوناني الثلاثاء 22 ديسمبر، بالأغلبية، بدولة فلسطين، في جلسة حضرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، المدعو رسمياً من رئيس حكومتها الشاب اليكسيس تسيبراس، ويأتي إقرار البرلمان اليوناني، تمهيداً لاعتراف الحكومة اليونانية بالدولة الفلسطينية.

وفي اليوم التالي 23 ديسمبر، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأغلبية ساحقة، مشروع قرار يؤكد السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل، على مواردهم الطبيعية، وقبل ذلك بنحو أسبوع، انضم مئات الأكاديميين في جنوب أفريقيا لحملة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، وفي 21 نوفمبر الماضي، صوت مؤتمر جمعية الأنثربولوجيا الأميركية، لصالح قرار مقاطعة الجامعات الإسرائيلية، بسبب تواطؤها مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وفي إسبانيا، انضمت نحو 25 مقاطعة وبلدية لحملة المقاطعة لإسرائيل.

حتماً، ليس هذا مما يأمل بنيامين نتنياهو أن يراه، فهذا كابوس بالنسبة له، السويد بالأمس، واليوم اليونان، ومن قبلهما غالب دول أميركا الجنوبية، والسبحة على ما يبدو تكر، أما حملة المقاطعة لمنتجات المستوطنات، والمقاطعة الأكاديمية، فهي مستمرة ومتنامية، أما انتفاضة الجيل الجديد من الفلسطينيين، فمستمرة ومحيرة لأجهزة أمن إسرائيل حتى اللحظة.

ليست المرة الأولى التي تواجه فيها إسرائيل وضعاً كهذا على المستوى الدولي أو الداخلي، فانتفاضات الفلسطينيين لم تتوقف، ودول العالم لم تغير نظرتها للوضع كله: دولة محتلة ومدانة على أكثر من صعيد، لكن الفارق الآن، أن ثمة تحدٍ وجودي، اسمه حملة المقاطعة التي تستنزف إسرائيل في الصميم.

ما العمل أمام بنيامين نتنياهو، الذي لا يجد عاصمة يزورها، فلقد كف عن الزيارات، عدا زيارتين، الأولى روتينية لواشنطن، وأخرى لموسكو، كانت ضرورية للروس قبل دخولهم إلى سوريا.

ما الحل؟ الحل الإسرائيلي المجرب هو الحرب، والمفارقة في تاريخ هذا الصراع المرير، هو أن أكثر حروب إسرائيل وأشرسها وأكثرها في عدد الضحايا، هي تلك التي تمت منذ توقيع اتفاق أوسلو، بعض التذكير ينفع: اجتياح جنين في 2002، حرب 2008-2009 على غزة، حرب ثانية على غزة في 2012، وحرب في 2014، أما مجموع الضحايا، فهو يزيد على 12 ألف ضحية.

في السياق التاريخي نفسه، كانت حروب إسرائيل ضد الفلسطينيين في دول أخرى، مثل معركة الكرامة في الأردن (1968)، واجتياح لبنان مرتين (1978-1982)، يمكن تبريرها بكل سهولة بنشاط الفدائيين الفلسطينيين، لكن منذ عام 1990، ظهر مبرر جديد أقوى ذو وقع خلاب: الإرهاب، تحديداً «الإرهاب الإسلامي».

هكذا بررت إسرائيل حروبها ضد قطاع غزة، على الأقل، بسيطرة حركة «حماس»، فمنذ عام 2001، لم تمثل الحرب ضد الإرهاب، هدية من السماء لإسرائيل فحسب، بل حولت مجرى الصراع، وخلطت مفاهيمه على نحو بالغ الضرر بنضال الفلسطينيين من أجل التحرر الوطني، أي التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، وهكذا، راحت إسرائيل تسعى للانتقال من وضع المحتل إلى وضع الضحية.

لا يملك الإسرائيليون من حلول أو أفق سوى الحرب، ومع سياسي أهوج مثل نتنياهو، تبدو الحرب هي الحل الوحيد، والطبول قد بدأت تقرع، فها هو عاموس جلعاد رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، يتوقع «صيغة إسرائيلية ملطفة للحتمية»، اندلاع مواجهة مع الفلسطينيين على الصعيدين الأمني والسياسي خلال العام المقبل 2016.

وحسب ما نقلت عنه صحيفة «ماكور ريشون» العبرية في 25 ديسمبر، فإن «مزاج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، هو مزاج تحدٍ، وربما يفكر في الاعتزال، ومن شأن ذلك أن يترجم إلى أمور تؤثر في الأمن»، على حد تعبير جلعاد، ولم ينس جلعاد بالتأكيد، إعادة التذكير بالتهديد الأكبر الذي تمثله إيران، حسب تعبيره، يليها داعش.

يبدو أن إسرائيل ستحصل على الذريعة التي تتمناها، الذريعة التي تجعلها في خانة الضحية، ولن يتطلب الأمر الكثير من العناء: مجرد قنبلة موقوتة توضع بعناية في مكان مكتظ بالمدنيين، وقد يتطلب الأمر لمسة رعب إضافية، مثل ظهور أحد المنفذين يطلق النيران بهياج واضح، دون أن ننسى كاميرا هاتف تصور بدقة لحظات الرعب، وستبثها محطات التلفزة، وتعيد إنتاجها وبثها على مدى أيام، وقد ينسى أحد الإرهابيين هوية من نوع ما في مسرح الجريمة، تدل على شخصه، جواز سفر أو بطاقة مدنية أو تذكرة تتضمن اسمه وعنوانه.

هل يحتاج الأمر إلى كل هذه التفاصيل، طالما أن زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، قد أطلق تهديده ضد إسرائيل قبل أيام؟ ربما لا، فالتهديد يبدو مثل طوق إنقاذ لإسرائيل، أكثر من كونه علامة على تحول جدي وخطير في حروب التنظيم التي لا تنتهي، لكن للضرورات أحكام، فوحدها عملية تنسب لداعش في إسرائيل، كفيلة بإشعال فتيل حرب يريدها ويسعى لها ويخطط لها الإسرائيليون، ويصلّون من أجلها.

إنه التوقيت، ولا شيء آخر، التوقيت والمأزق الإسرائيلي العميق، الذي يقدم جواباً على تهديدات البغدادي، وفحواها ونتائجها، فهي ليست سوى طوق إنقاذ لإسرائيل المأزومة في الصميم.

في تلك الأيام التي كان الكثيرون يعيبون على تنظيم «القاعدة» وإسلاميي المرحلة الأفغانية، عدم اهتمامهم بفلسطين وما يجري في فلسطين، كنت أتمنى من صميم قلبي، ألا يهتدي هؤلاء لفلسطين، الآن، سأواصل التمني والصلاة من أجل ذلك أيضاً.