استقبلت الرياض في أسبوع واحد عدداً من القادة والسياسيين ربما ما يوازي عدد ما تستقبله عدة عواصم في شهور. وهناك تحرك سياسي مكثف تقوده السعودية بشكل ملموس ويكشف عن القناعة السعودية في السياسة الخارجية بالانفتاح على الجميع وبناء مصالح مشتركة وعدم جعل الاختلافات عقبة في البناء على ما هو موجود من قواسم مشتركة.
وربما زيارات هذا الأسبوع تؤكد هذا التوجه. فهناك زيارة مهمة كانت لرئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف وهي تأتي بعد أيام من زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى إسلام أباد.
وكان هناك نقاش يدور عند بعض النخب السعودية حول الموقف الباكستاني تجاه القضايا السعودية، خاصة أن الأخيرة كانت هي الداعمة تاريخيا واستراتيجيا لدولة الباكستان، وهناك روابط قوية بين البلدين تضرب في العمق وترتبط بتركيبة تتجاوز العلاقات الثنائية بين الدول.
ومثل تصويت البرلمان الباكستاني بالإجماع ضد إرسال قوات في عاصفة الحزم مفاجأة، ليس في كونها حاجة ماسة للقوات، بل لأن الكثيرين توقعوا أن باكستان هي أول الواقفين مع السعودية في هذه الأزمة. ورغم ذلك بقيت العلاقة بين البلدين قوية وتعكس هذه الزيارات عالية المستوى بين البلدين أن هناك نقاشا لوضع العلاقة في مكانها الطبيعي. وباكستان أكدت أكثر من مرة أن أمن السعودية من أمن باكستان. وأنها لن تسمح بأي اعتداء على السعودية.
وربما كانت هذه الزيارة تأكيداً لثوابت علاقة مهمة واستراتيجية بين بلدين يمثلان في مجموعها مركز ثقل للعالم الإسلامي، وتكشف زيارة نواز شريف إلى طهران بعد السعودية عن تأكيد معلومات تتحدث عن وساطة باكستانية بين الرياض وطهران.
السعودية موقفها واضح وأنها تريد أفعالاً تؤكد حقيقة الأقوال في إيران، والقضية الآن تنظر لها السعودية أنها قضية عربية إيرانية وليست سعودية إيرانية. والتدخل الإيراني هو في الدول العربية وبالتالي فالقضية لاتقف عند تصريحات ولقاءات أمام عدسات المصورين، بل يتطلب تغييراً واضحاً في السياسة الايرانية الخارجية والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
والسعودية في نهجها السياسي لاتقف ضد المصالحات ولم الشمل والابتعاد عن التوتر والخلافات ولكن هي تنتظر خطوات ملموسة وعدة مرات قالت إن الجغرافيا والتاريخ يفرضان وجود إيران وبناء علاقات جيدة لكن كما يقال رقصة التانغو تحتاج إلى طرفين، أي مبادرات من طرف واحد لا تكفي بل من طرفين، وهذا ما تنتظره الرياض بشكل محسوس.
الزيارة الثانية التي تكشف النهج السياسي السعودي في بناء مصالح رغم الاختلافات على بعض القضايا، في هذا الأسبوع السعودي السياسي، كانت زيارة الرئيس الصيني شي دين بينغ إلى الرياض، وهي زيارة أثارت تعليقات متكررة حول توجهات السعودية السياسية إلى الشرق..
وكان واضحا أن الرياض تريد أن تقول إنها مع مصالحها أينما كانت سواء في الشرق أو الغرب، وأن العلاقات مع الشرق ليست على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع الغرب فالصين دول ضخمة والآن اصبحت لاعبا دولياً مهماً كما أن العلاقات التجارية بين البلدين في ٢٠١٥ تجاوزت واحداً وسبعين مليار دولار والصين تستورد نحو ٥٠ مليون طن من النفط السعودي وهذا جانب واحد فقط من علاقات واستثمارات هائلة بين البلدين. .
والصين منذ أن انخرطت في الاقتصاد العالمي في ١٩٧٨ تحولت إلى قوة اقتصادية وقد تطورت العلاقة بين البلدين حتى تم توقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي في ١٩٩٩ وربما الموقف الصيني في الأزمة السورية لم يكن قريبا من الموقف السعودي وهذا يؤكد ما قلناه من قبل أن الاختلافات موجودة في بعض الرؤى والقضايا لكن لا تعني القطيعة بل القدرة على بناء مصالح حتى تخدم في نهاية المطاف القرار السياسي لمصلحة البلدين
ولذلك من باب العقلانية السياسية يظل التقارب السعودي الصيني مهما ليس فقط للبلدين، بل للمنطقة سياسيا واقتصاديا، ومن المهم لدول مجلس التعاون الخليجي توحيد سياساتها الخارجية مع الدول الكبرى حتى تكسب احتراما وتأثيرا أكبر في العواصم المهمة في العالم فهناك مشروع الاتفاق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون والصين لإنشاء منطقة تجارية حرة بينهما وهذا مشروع مهم يفتح مجالا لتداخل اكبر في العلاقات وانفتاح فرص في الاستثمار.
الزيارات شملت وزراء خارجية ورؤساء وبرلمانات ووزراء دفاع وهي توحي بأن التحرك الدبلوماسي المكثف يجهز لمشاريع مهمة تقف أمام التوسع الإيراني، وفي نفس الوقت تخدم قضايا المنطقة. فالسعودية تفرض سياسة الحزم ولكنها في نفس الوقت تنشط دبلوماسيا للوصول إلى الغايات الاستراتيجية. وفي لغة اليوم القوة ليست فقط السلاح والعسكر بل هي في الاقتصاد والمصالح والتأثير السياسي.