الإرهاب قضية مصيرية وأصبحت هاجساً دولياً، وربما كشف الإرهاب في الفترة الأخيرة عن مدى الانحطاط والعنف الذي وصل إليه، وما تعرض له مسجد في الأحساء بالسعودية قبل أيام يكشف إلى أي مدى وصل الفكر الإرهابي المتطرف‫.‬

والكل يتعرض لخطر الإرهاب وأكثر ضحايا الإرهاب هم من المسلمين، وهذا لا يعني تبرير الإرهاب إذا كانوا من ديانة أخرى‫، بل للتوضيح، فإن من يدّعون الإسلام ويقاتلون تحت راية الإسلام هم في الحقيقة مخادعون حتى في رسالتهم الكاذبة، فهم نزعة شريرة تصب بلاها وحقدها على من حولها بغض النظر عن الدين أو الجنسية‫.

والدليل على هذا الانحطاط استهداف دور العبادة وهي الأماكن التي لها قدسية ولها حرمة كونها أماكن عبادة وأمان في أي ظرف كان.‬

كثر الحديث عن مواجهة الإرهاب سواء أمنياً أو فكرياً. وهناك نجاحات كبيرة سجلها الأمن السعودي في إحباط عمليات إرهابية، والكشف والقبض على خلايا إرهابية تخطط لعمليات دموية. ومن الناحية الأخرى هناك جهد فكري لمواجهة الفكر المتطرف وعلى مستويات مختلفة.

وهناك مشاركة من علماء ومفكرين لتوضيح خطر هذا الإرهاب والفكر. وقد استنكر مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ‬ الحادث الذي وقع في الأحساء، وقال إن هذا العمل المشين «من الفساد في الأرض، وإن ما حدث مسلسل إجرامي يهدف إلى تفريق الأمة ونشر الفساد في الأرض، وبث الرعب في قلوب المسلمين ولا يقوم بهذا العمل إلا فئة ضالة مضلة عن طريق الحق ولا دين لها».‫

وكان هذا موقف كثير من العلماء ورجال الدين في السعودية والعالم الإسلامي ضد الفكر المتطرف ومن يقف خلفه.‬

والسؤال الذي يطرح، كيف يمكن لإنسان يذهب بإرادته إلى تفجير نفسه وقتل غيره بهذه الطريقة. وما هو غسيل الأدمغة الذي يقود شباباً في ربيع العمر إلى التهلكة والدمار. وإذا كنا نتحدث عن ظروف اقتصادية وحالة إحباط، فعلى مر التاريخ هناك أشخاص يواجهون متغيرات لكنهم لم يذهبوا إلى القتل والتدمير بهذه الطريقة.

هناك إشكالية واضحة تحتاج إلى تحليل لسيكولوجية هذا الإرهابي. وكيف نرى البعض من يقتل أمه أو قريبه بدعوى أنه يجاهد في سبيل الله. وهذا يجعل التساؤل أكثر إلحاحاً عن أي مرض وأي حالة يمكن أن يكون عليها هذا الشخص.‬

وإذا كنا قد سعينا في الحل الأمني والمحاربة الفكرية، إلا أن الجانب الاجتماعي في هذا الملف لم يأخذ حقه بالكامل. فالتغيير الاجتماعي عملية موجودة في كل المجتمعات وعبر التاريخ، وهي لها أيضاً لها إفرازات ونتائج مؤثرة، تختلف حسب المجتمع، وأيضاً السياق الزمني.

وهذا التغيير يولد معطيات جديدة في القيم والتركيبة الاجتماعية والعلاقات البينية. ويفرض الانفتاح الحاصل نتيجة العولمة وثورة الاتصالات والسفر والدراسة في الخارج متغيرات تتشكل في البنية الداخلية للمجتمع وأحياناً يوجد تصادماً نتيجة السرعة في المتغيرات والتباين في التفكير.

وعلى هامش هذا التغير المتسارع يكون هناك الحلقة الأضعف وهم الأفراد الذين يعيشون على هامش هذا التغيير أو ضحايا للتغيير ذاته، وهم يكونون الأكثر سهولة في الانقياد من الغير، ولذلك يلجؤون إلى مرجعية تعيد لهم توازنهم المفقود فيجدون، من يقدم لهم من أطراف تغرر بهم، صورة بسيطة تختلط فيها العاطفة الدينية مع سطحية التفكير، وربما السخط الخفي على المجتمع في مجموعها أو بعضها تقود هذا الفرد إلى أن يصبح مشروعاً لعنصر إرهابي.‬

وإذا كان التغير يحدث بشكل عشوائي في المجتمعات السابقة، فإن التغيير الاجتماعي اليوم يأتي وفق إرادة ورؤية وقرار. أن ترك دفة التغيير الاجتماعي تقود نفسها بنفسها فيها مجازفة، لأن مخرجات هذا التغيير تكون خارج السيطرة. والتغيير سنة الحياة وهو أمر حاصل بشكل دائم ومن دون أن نشعر به مباشرة. لكنه عمل تراكمي تظهر نتائجه في وقت لاحق.‬

التغيير الاجتماعي عملية مستمرة في المجتمعات وهو كما يصفه الكاتب ديفيز، تحول في التنظيم الاجتماعي سواء في بنيته أو علاقاته أو وظائفه.

ومجتمعاتنا شهدت تغييرات متسارعة وربما قفزنا بسرعة واختزلنا مراحل كثيرة، إلا أننا لم نول اهتماماً كافياً لدراسة سوسيولوجية التغيير الاجتماعي في صورها المختلفة. فالنظريات الاجتماعية تقول إن التغيير ليس بالضرورة أن يعني التقدم والتطور، بل قد يكون التغيير بشكل تراجعي أي يقود إلى التخلف‫.‬

وهناك مسؤولية مهمة في عملية صناعة أو بالأصح قيادة التغيير الاجتماعي وبلورة تصور لهذا التغيير يتناغم فيه القرار السياسي مع هذه الرؤية‫.‬ وربما يتطلب قرارات تقود هذا التغيير وتفرضه في مراحل معينة‫.‬ وهذا يجعل التغيير في المجتمعات عملية مدروسة وليست اجتهادية.‬

محاربة الإرهاب مشروع كبير في جوانب عدة منها الأمنية والفكرية والاجتماعية‫.‬ والنظر إلى التغيير الاجتماعي كأحد العناصر في تحجيم خطر الإرهاب ربما زاوية مهمة تحتاج إلى دراسة من جوانب عدة، فالمجتمعات النابهة هي التي تصنع المبادرة وتقودها‫.‬