في مصر مطلوب تجديد الأفكار

تبذل الرئاسة والحكومة المصرية جهوداً كبيرة، من أجل الإصلاح والتقدم للأمام، ولكن هناك إحساس عام بثقل الخطوات وبطئها..

وهذا لا يرجع لعيوب في النظام الحاكم، بل يرجع لعيوب موروثة في مجتمعاتنا، حياتنا، وأفكارنا، ونظراتنا في مصر، مترعة بالجمود في نظم الأفكار، في الرؤى والسياسات، في النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي الذهبي- الذي لم يكن كذلك في الغالب- في الفجوات بين الأجيال الجديدة وحركيتها وبعض الحيوية في أصلابها، من هنا تبدو أمام النظام ضرورات التجديد الشامل، الذي يرتكز على الإصلاح أساساً الذي تتطلبه الأوضاع الانتقالية التي نحياها وهذه الضرورة تعود إلى عديد الاعتبارات ومنها:

1- استمرارية الشيخوخة الجيلية، ونظام التجنيد للنخبة السياسية الذي لا يزال مستمراً على الرغم من التغيرات التي تمت منذ انتفاضة يناير حتى الآن.

2-جمود الفكر السياسي المحافظ واليساري السائد، وعدم قدرة كل التيارات على التعامل مع المشكلات الممتدة والمتفاقمة، والرجوع إلى الشعارات والسياسات والأفكار السابقة..

والظهور المجدد لبعض الوجوه البيروقراطية – من الأجهزة المختلفة- والبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبعض هذه التيارات التي تجاوزها الواقع الاقتصادي والاجتماعي الكوني، والمصري وتجارب التنمية المختلفة في بعض دول القارات الثلاث الناهضة.

3- عدم متابعة التطورات في مدارس الفكر والعمل السياسي في شمال العالم وجنوبه المتغير، والأزمات الكبرى التي تواجه الرأسمالية، والمفاهيم الليبرالية الغربية، في ظل أزماتها الكبرى لا سيما بدءاً من الأزمة المالية العالمية في 2008، وتدخل الدولة لإنقاذ الاقتصاد في الولايات المتحدة، وفي عديد من البلدان الأوربية.

4- سطوة البيرو- تكنوقراطية من الموظفين داخلياً أو ممن يعملون في بعض المنظمات الدولية في توجيه السياسات ومتابعة تنفيذها، وهؤلاء يعكسون أزمة فكر وسياسات وتوصيات تسود لدى نمط الموظف الدولي البيروقراطي- في الأمم المتحدة ومنظماتها.

وفي صناديق التمويل الدولية والإقليمية- الذي يضع حلولاً نمطية عالمية التوجه دون نظر لطبيعة التراكيب الاجتماعية- والثقافية داخل عديد من بلدان الجنوب. خطاب الموظف البيروقراطي الدولي هو سليل بيروقراطية من نوع خاص، لديها عديد من المزايا والضمانات، وتتصور أنها فوق الدول والمجتمعات..

ويساند بعضها بعضاً، ويخضع بعضهم في حراكهم لأعلى على الامتثال والمداهنة والموالاة لرؤسائهم، وللدول الكبرى وممثليها في هذه المنظمات والمؤسسات. والأخطر أن خطابهم الاقتصادي- السياسي، والاجتماعي يتسم بنمط من اللغة المحايدة والعامة، التي يداخلها بعض الغموض، أنها لغة رمادية بامتياز.

هذا النمط من الخطاب الدولي المراوغ والرمادي، يتم فرضه وتتبناه أغلب الحكومات والبيروقراطيات المصرية والعربية، وبعض الأحزاب السياسية التي باتت تفتقر إلى المفكرين والمنظرين الكبار ممن هم على صلة بواقعهم ومشكلات وحركة الفكر الاقتصادي على المستوى الكوني.

5- شيوع ثقافة الكسل واللاعمل داخل بيروقراطية القطاع العام، والقطاع الخاص.

6- إدمان الفساد، بحيث أصبح آلية تسيير الحياة بين المؤسسات وبين أغلب رجال الأعمال وأغلبية «المواطنين»!

7- المغالاة في إبراز شكليات التدين بمثابة قناع لإخفاء الكسل والفساد على المستويات الشخصية، وأحد أشكال التواطؤ الجماعي. إنها حالة لبناء توازنات نفسية شخصية وجماعية إزاء المراوغات والكذب والفساد.

8- هيمنة خطاب اللغو والشعارات المجاني دون درس للنفقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لللغو والثرثرة، على نحو يؤدي إلي تعطيل وتهميش أي خطابات اجتماعية وثقافية نقدية ترصد وتفكك وتحلل المشكلات والأزمات في عمقها التاريخي وتطوراتها سعياً وراء إيجاد حلول لها والاكتفاء باللغو الهجائي اللفظي، وهي ظاهرة لم تعد قصراً على النخب السياسية..

وإنما تمدد إلى الأغلبية الساحقة من الجماهير من كل الشرائح الاجتماعية.

9- عدم إيلاء أهمية لخطورة الانفجار السكاني الضخم على مستقبل البلاد والأجيال الجديدة في ظل شح الموارد المالية، وتردي مستويات ونوعية الموارد الزراعية، والمائية، والطبيعية، التي تنذر بكوارث مستقبلية.

10- التدهور في أنظمة وسياسات ومناهج التعليم حتى الدراسات ما بعد العليا، وضعف مستويات الخريجين بما فيهم أغلب الحاصلين على الماجستير والدكتوراه.

11 - تردي مستويات العاملين في الأجهزة الإعلامية المرئية والسمعية والمقروءة، من حيث التكوين العلمي والثقافي والاحترافي والاستثناءات محدودة بين هؤلاء، على نحو جعل الإعلام لا سيما المرئي والمقروء- القومي والخاص- بمثابة أداة لإلهاء المواطن، والتشويش على إمكانية طرح المشكلات الهيكلية للدولة والمجتمع، وتشخيصها وتحليلها وتقديم الحلول لها.

15- هامشية دور الثقافة، في إطار سياسات التعليم والدين والاقتصاد.. إلخ، وضعف مواردها المالية ومن الكفاءات، وتراجع بل وتدني مستويات أغلب العاملين من بيروقراطية وزارة الثقافة في ظل غياب رؤى وسياسة ثقافية فعالة.

ثمة اعتبارات أخرى كثيرة تجعل من التجديد فريضة وضرورة قصوى لخروج الدولة والأمة والنخبة من الطرق المسدودة التي وصلت إليها عبر سياسات مختلة طيلة عقود عديدة، وقيادات لم تكن على مستوى التحديات الكبرى والضارية التي تواجه بلادنا، وكتب على أجيال مختلفة أن تدفع ثمن خطايا سياسية مركبة، ومن ثم لا يبدو أمامنا من طريق إلا التجديد الشامل والعميق في فكرنا وحياتنا وسياساتنا، التجديد هو الحل!