زيارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان لأنقرة، أخذت أبعاداً مهمة في تركيا. فالعاهل السعودي حرص على زيارة تركيا قبل بداية القمة الإسلامية، التي تستضيفها إسطنبول اليوم.

وفي نفس الوقت، يصل إلى تركيا بعد زيارة تاريخية لمصر، نقلت العلاقات السعودية المصرية إلى مستوى جديد. ولذلك، كان اهتمام المراقبين بالزيارة ونتائجها. واتفقت التعليقات بأن الزيارة الناجحة والتطابق في كثير من المواقف، سيعمل على تطوير نوعي في العلاقات الثنائية، والعمل سوياً على إيجاد حلول لمشاكل المنطقة.

وهناك قناعة واضحة أن البلدين يحتاجان إلى بعضهما، فتركيا تحتاج إلى السعودية ودول الخليج، من منطلق أن هذه دول مستقرة، وتستطيع أن تتشارك مع تركيا في السعي إلى استقرار المنطقة.

كما أنها أسواق ضخمة، وفي مشروعها الاقتصادي، تتطلع تركيا إلى أسواق استراتيجية. وهي تستفيد من توجه الاستثمارات السعودية إليها، وكذلك السياحة الخليجية، التي أصبحت تشكل دخلاً مهماً في الاقتصاد التركي.

كما أن السعودية تنظر إلى تركيا كشريك مهم وقوة إقليمية في المنطقة. ويمكن لها أن تلعب دوراً مع السعودية في استقرار المنطقة، خاصة أن البلدين لم يعرفا نزعات توسعية، بل السعودية تنطلق في سياستها إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، كما أن تركيا لها سياسة معروفة، أطلقت عليها تسمية (تصفير المشاكل)، وهي تعنى أن تكون في سلام مع الجميع.

وهذا يسهل على البلدين ترجمة مشروع سياسي مشترك. خاصة أن التمدد الإيراني في المنطقة يشكل إزعاجاً، ليس للسعودية فحسب، بل حتى لتركيا. وهي تنظر لسياسات إيران في تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، بعين من القلق وعدم الرضا.

ويتفق كثير من الأتراك أن إيران هي القاسم المشترك في مشاكل المنطقة، وعند زيارتنا ضمن الوفد المرافق لخادم الحرمين لمركز سيتا (مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية) في إسطنبول، وعقدنا ندوة مشتركة مع مفكرين أتراك، أوضحوا أنهم يرون أن إيران هي المشكلة، وقال محيي الدين أتامان نائب المدير العام في المركز، إن المنطقة تحتاج إلى تحالف سعودي تركي مصري..

وأن مثل هذا التحالف، هو الذي يستطيع أن يقف في وجه السياسات الإيرانية التوسعية. وقال إن تركيا لن تقبل بالتدخل الإيراني في دول المنطقة. واستشهد بالتدخل في سوريا، الذي قال إن تدخل إيران ساهم في تصعيد المشاكل الداخلية في سوريا.

تركيا دولة مهمة، وموقع جغرافي مهم، ولها علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعضو في الناتو والمجلس الأوروبي ومجموعة العشرين، وهذا يقربها من السعودية، التي تشترك معها أيضاً في عضوية العشرين.

والسعودية التي تنتهج الفكر الجديد في سياستها الخارجية، القائمة على بناء مصالح وعلاقات وشراكات مع دول العالم، تتجه إلى تركيا بقوة، ولا تضع اختلاف في أحد الملفات كعائق في مشروع تطوير العلاقة.

ففي موضوع الملف المصري، هناك تباين بين البلدين، ولكن هناك أصوات كثيرة داخل الحكومة التركية ومراكز الأبحاث، التي ترى أن هناك فرصة لمحور مهم، أضلاعه الرياض والقاهرة وأنقرة.

وهي نظرة واقعية، فمن ينظر إلى الخريطة السياسية الدولية، يجد أن الولايات المتحدة منسحبة بشكل ملموس من مشاكل المنطقة، فيما يعاني النظام الإقليمي العربي من تصدع، نتيجة انشغال دول عربية مهمة بمشاكلها الداخلية، والتي استفاد منها النظام الإيراني في تدخله في شؤون هذه الدول.

ويراهن كثيرون على قرار إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، الذي يتوقعون منه نتائج تترجم هذه العلاقات والتقارب إلى مصالح متداخلة، وبناء استراتيجية سياسية موحدة لملفات المنطقة. خاصة بعد نجاح تجربة مجلس التنسيق السعودي المصري، الذي تمكن في أقل من ثمانية شهور، من إنجاز مشاريع ضخمة، وحل ملفات عالقة، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية العربية - العربية.

وتركيا لها مواقف إيجابية، فهي دعمت عاصفة الحزم، وانخرطت في مشروع التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، الذي تقوده السعودية.

كما أنها ترى أن إيران أصبحت أكثر عدائية في المنطقة، بعد توقيعها الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة. ويقول الدكتور خليال أوزجان عضو البرلمان التركي ورئيس جمعية الصداقة التركية السعودية، وبالمناسبة، هو أحد خريجي جامعة الملك سعود في الرياض، إن تركيا تنظر للسعودية كشريك استراتيجي موثوق به، وإن ما يجمع تركيا مع السعودية، يتجاوز بكثير ما يجمعها مع دولة مثل إيران. وأن الأتراك ينظرون للسعودية نظرة خاصة، كدولة قيادية وحاضنة للأماكن المقدسة.

السعودية في تحركها السياسي على أعلى مستوى، ممثلة في الزيارات الملكية، لديها رسالة واضحة، أنها دولة سلام واستقرار وتنمية، وأن مشروعها المهم، هو ضمان أمن واستقرار المنطقة، والانفتاح على العالم في نباء مصالح وشراكات تهدف إلى خدمة الشعوب، وتقديم الاقتصاد على السياسة.