كرر الرئيس الروسي بوتين مرات عديدة خلال الأشهر السبعة الماضية القول: إن قوات بلاده أحدثت «تحولاً جذرياً» في معارك سوريا، لصالح نظام الأسد.

بعد خان طومان ومعارك جنوب وغرب حلب، وأرياف حمص وحماه، التي وقعت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أعتقد أنه صار من الصعب على بوتين أن يكرر حديثه عن «التحول الجذري»، لأن معارك هذه الأسابيع محت معظم المكاسب الجزئية، التي حققها طيران روسيا للنظام،..

وأظهر بأدلة ميدانية قاطعة أن قولة بوتين أملاها غرور القوة وسوء التقدير، أكثر مما أملاها واقع عسكري يعلم أنه انقلب خلال أسبوعين رأساً على عقب، ورفع كثيراً فاتورة الدم والدموع في إيران ولبنان والعراق، كما بدأت معه خسائر الروس في العسكر والضباط، وصار في حكم المؤكد أن غاراتهم فقدت الكثير من فاعليتها وتأثيرها، ولم تمكن جيش الأسد من استعادة أي موقع خسره..

وكشفت صور وأدلة كثيرة ما أصابه من تهتك معنوي وتفكك تنظيمي، أدى إلى مقتل المئات من جنوده وهم يخرجون من حفرهم وخنادقهم ويفرون جماعات وفرادى من ساحة المعركة، ويتبعثرون في جميع الاتجاهات، ولولا أن من واجهوهم من مقاتلي الجيش الحر كانوا رحيمين بهم، لقتلوا المئات منهم وهم يركضون عزلاً في حقول مكشوفة، نجوا بأنفسهم لأن الرصاص لم يطلق عليهم.

ماذا أفادت روسيا من غزوها العسكري لسوريا؟ هل تمكنت حقاً من حماية النظام وحصنته ضد الهزيمة؟ إذا كانت قد حققت ذلك، فكيف تفسر هروب جيشه في ريف حلب الجنوبي، وعجزه اللاحق عن استرداد حتى بعض ما خسره بقواه الخاصة، التي كثيراً ما بالغ الروس في الإشادة بها، أو بقوى طيران موسكو وجيشها؟

يقول ملالي إيران بحق: إنهم يدافعون في دمشق عن كراسيهم في طهران، فهل لدى الحكام الروس حسبة كهذه، خاطئة تماماً بالنسبة إليهم؟

وهل سيكثفون غزوهم رداً على هزائم الأسد، مع أن النتائج لن تكون أفضل مما حققوه في الفترة الماضية، وأنها ستتغير لغير صالحهم بمجرد أن يقلصوا وجودهم العسكري، فإن قرروا البقاء كانوا عرضة للوقوع في فخ احتمالات مفتوحة على بدائل مؤذية، منها إغراقهم في مستنقع لن يخرجوا منه سالمين. في مأزق هذه بعض احتمالاته:

ألا يخشى الروس الدخول إلى ما يمكن أن يصير فخاً قاتلاً بالنسبة لهم، بقرار أميركي أو حتى تركي سعودي، وبدل أن يبعدوا الإرهاب عن الداخل الروسي، يرمون بجنودهم إلى مواجهة خارجية قاسية ضد المقاتلين من أجل الحرية في سوريا، الذين قدموا في خان طومان عينة مشخصة جداً عما يمكن أن يلحق بجيشهم أيضاً من خسائر فادحة، تماثل ما أوقعوه بالإيرانيين ومرتزقتهم، فأوجعت قلوب الملالي وملأت عيون حسن نصر الله دموعاً، في بكاء لن يكون الأخير، إذا لم يسارع إلى الخروج من المحرقة السورية، التي جاء لإطفائها، فاشتعلت فيه.

لا بد أن يقتنع الروس باستحالة إنقاذ الأسد، أو إحداث تحول جذري لصالحه، وبأن جيشهم وطيرانهم لا يستطيعان بعث الحياة فيه، مهما ألقيا من قنابل واستخدما من تقنية، ليس لأنهما ضعيفان، بل لأن شعب سوريا يقاتل بسلاح تستحيل هزيمته هو الحرية، يبعث من الشجاعة في قلوب حملته ما يجعل من المستحيل كسرهم بأي سلاح حربي.

والآن: هل تعاود روسيا تجربة ثبت فشلها، تواجه بعدها بتصعيد أكبر بكثير من الذي واجهته خلال أسبوعي ريف حلب الجنوبي، أم تفهم دروس الواقع السوري ومعادلاته، وتبادر إلى كسب معركة الانتصار فيها أقدس من الانتصار في أي معركة عسكرية، هي معركة العدالة، التي تعني اليوم أمراً واحداً:

إخراج بشار الأسد من السلطة ومساعدة السوريين على نيل حريتهم وبناء نظامهم الديمقراطي، ومن ثم الدخول إلى قلوبهم كأصدقاء بدل التعسكر في بلادهم كغزاة محتلين، يقتلونهم أو يقتلون بأيديهم؟