تتمثل أهمية وسائل الإعلام في جانب منها في حجم القوانين التي وضعت لتنظيم أنشطتها، وخلال أربعة قرون من عمر الاتصال الجماهيري، مرت وسائل الاتصال بمراحل عدة من التطور ومن أساليب ورؤى مختلفة توجهها.. ثم سادت في مطلع القرن العشرين نظرية المسؤولية الاجتماعية في الولايات المتحدة..
واستندت في فلسفتها إلى كتابات هوكنج ولجنة حرية الصحافة. وقد قامت نظرية المسؤولية الاجتماعية بديلاً للنظرية الليبرالية من واقع الحرص على أداء أفضل لوسائل الإعلام تجاه المجتمع، حيث تقوم على خمس مسلمات أساسية هي:
أولاً: أن تقوم وسائل الإعلام بتزويد المجتمع المعاصر بالأحداث الصادقة والشاملة والذكية في سياق يجعل لها معنى. وهذا يعني أن تكون وسائل الإعلام دقيقة ولا تكذب، وأن تفرق بين الحقيقة والرأي.
ثانياً: أن تقوم وسائل الإعلام بالعمل كمنبر لتبادل الملاحظات والنقد، بحيث تسمح بالتعبير عن وجهات النظر المتعارضة مع رأيها. وعليها أن تحاول عرض جميع وجهات النظر المهمة سواء التي تتفق معها أو تخالفها.
ثالثاً: على وسائل الإعلام أن تبرز صورة للمجتمع بحيث تصور بموضوعية مكونات الجماعات المختلفة في المجتمع.
رابعاً: أن تكون مسؤولة عن تقديم وتوضيح أهداف وقيم المجتمع، وعليها قبول قيم المجتمع واحترامها للخصال التقليدية في المجتمع.
خامساً: أن تكون مسؤولة عن تزويد الجمهور بالمعلومات اليومية، ولذا فإن للجمهور الحق في الوصول إلى المعلومات.
ولا تطرح نظرية المسؤولية الاجتماعية موضوعة الحرية على اعتبار أنها قيمة مطلقة، بل هي نسبية ومقيدة، فأي نظام إعلامي يحتاج إلى القيود من خلال سيطرة تشريعية أساسية ومن بينها قانون لحماية الأفراد أو الجماعات في مواجهة القذف، وحماية حقوق المؤلف وحماية الاحتشام والآداب العامة وحماية الدولة ضد الخيانة والعبارات التحريضية وتحطيم الروح المعنوية لدى الجمهور.
إنَّ إحدى السمات المهمة لوسائل الإعلام أنها تخاطب المجتمع بكامله. وهذا يستدعي أن تخطط المؤسسات سياساتها بناء على أساس مصلحة المجتمع. والعمل على الحفاظ على المجتمع وتماسكه والعمل على اندماج أفراده وجماعاته.
والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام لحماية المجتمع تستلزم ترسيخ قيمه الإيجابية والمحافظة عليها، وإتاحة الفرصة لكل الجماعات والطبقات في المجتمع للتعبير عن نفسها من دون محاولات لتجاهلها أو قمعها، أو من دون تقديم صور مشوهة عنها. وفي ظل دخول الإنترنت حلبة الاتصال الجماهيري، فإن الحاجة أضحت ماسة إلى ضوابط تنظيم عملية الاتصال لتلتزم بالقيم الاجتماعية..
والقيم الخلقية في المجتمع، والحيلولة دون انتهاك حرمة خصوصية الأفراد، حيث أصبحت شبكات التواصل الاجتماعية تقدم روافد أساسية لوسائل الإعلام، وباتت المواقع الإخبارية والمدوّنات على شبكة الإنترنت تُمثّل فوضى عارمة، فهي لا تُحصى وتقوم بنشر ما يستحق وما لا يستحق، وبات بعضها منابر للترويج للإرهاب والتكفير والطائفية.
ولا شك أن قوانين النشر ومواثيق الشرف الإعلامي تمثل أسساً معيارية تعمل من أجل حماية المجتمع وتعزيز المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام. ولا يغيب عن بالنا المشهد الإعلامي العربي الآن، حيث صار بإمكان المواطن العربي استقبال ما يزيد على ألف ومئتي قناة فضائية عربية، ناهيك عن القنوات الفضائية الأجنبية..
ولكل محطة أهدافها الخاصة وأجنداتها التي ليست بالضرورة متوافقة مع مصالح المجتمع. وإذا أضفنا إلى ذلك ما توفره شبكة الإنترنت من خلال المواقع العديدة من إمكانات تواصلية ليس من السهل التحكم بها، لذا فإن تحقيق المسؤولية الاجتماعية يصبح مطلباً أكثر إلحاحاً للحفاظ على سلامة المجتمع.