يعتقد تسعون في المئة من السوريين، أن أميركا الضعيفة، وجدت نفسها مجبرة على التفاهم مع روسيا حول الوضع السوري، ولأنها ضعيفة ولا خيارات لديها، فقد رضخت لموسكو، وقبلت برنامجها السوري، وشرعت تساعدها على تنفيذه من موقع التابع، بعد أن ضرب الكرملين ضربته الاستراتيجية البارعة، وأرسل قرابة سبعين طائرة قاذفة ومقاتلة إلى الساحل السوري..
وضعت البيت الأبيض أمام ميزان قوي لا قبل له به، أركعه وجعله ينصاع لأي شيء يريده «القيصر» بوتين، بما في ذلك، تسليمه شرق المتوسط ومفاتيح آسيا الغربية الاستراتيجية، والقبول ببقاء بشار الأسد رئيساً، إن قرر البقاء، بعد أن كان أوباما يخاطبه كمجرم فقد شرعيته، ويأمره بالرحيل الفوري خاسراً ذليلاً.
ويعتقد سبعة من السوريين العشرة الباقين، أن هناك مؤامرة روسية / أميركية ضد الثورة السورية، وأن واشنطن طرف فاعل جداً في تخطيطها وتنفيذها، وأن ما يوحد الدولتين المتآمرتين، هو خوفهما من الإسلام، ومما أبداه «داعش» من قدرة على القتال خلال نيف وعام، وتفضيلهما الفوضى سبيلاً إلى إطالة الصراع وإنضاج شروط حل يخدم مصالحهما.
ومع أن هناك شيئاً من الصحة في القول بتفضيل الفوضى على الحل في المرحلة الراهنة من المسألة السورية، فإن الاعتقاد بوجود مؤامرة روسية / أميركية، يعتبر خطأ خطيراً، فلولا الصراع الأميركي / الروسي، لما استمرت الثورة إلى اليوم، ولولا أن هزيمة الثورة ستعتبر هزيمة لأميركا، لتم سحقها منذ وقت طويل. ومع ذلك..
وكما سبق أن قلته حول تلاعب واشنطن بالسوريين، فإن مصلحة واشنطن تكمن في إدامة الثورة، إلى أن تصل تصفية الحسابات الأميركية مع إيران وروسيا إلى مبتغاها، بما هي استراتيجية أميركية لا شك فيها، تستخدم الثورة السورية كجزء من الصراع الدولي، وترفض إلى اليوم إخضاعها لأي توافق مع روسيا يفضي إلى إنهائها، ولو كان هذا هدفها، لما بقي لها من أثر، ولقضي عليها بالفعل.
ليست الثورة وحدها محل خلاف وصراع أميركي / روسي، بل كذلك قضايا دولية متنوعة، لا علاقة لسوريا بها. لا أدل على ذلك من استمرار أميركا في تطويق روسيا عسكرياً واستراتيجياً، تنفيذاً لخطة وضعت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تستهدف إبقاءها بلداً ضعيفاً ومعزولاً وعاجزاً عن استعادة مكانته العالمية.
وكما نرى في أيامنا، هناك صراع مرير بين الدولتين، وصل إلى حد بناء شبكات صواريخ كثيفة تطوق روسيا، التي تتهم أميركا بالرغبة في تقويض التوازن العسكري بينهما، وتعلن عزمها على نشر صواريخ جديدة على مشارف أوروبا الشرقية والوسطى..
بينما يتهم أوباما، الرئيس الروسي بوتين، بالتخطيط لابتزاز أوروبا نووياً.
وللعلم، فإن قضايا كبرى كهذه، تلعب دوراً مباشراً في صراع الدولتين على سوريا، وتمارس تأثيراً وازناً على نمط واستمرار القتال فيها، وفي تقليص وتعطيل فرص الحل السياسي، وتطبيق وثيقة جنيف، وتأجيج تناقضات سياساتهما ومصالحهما، والحؤول دون تفاهمهما على تسوية سورية، صار من المؤكد أنها ترتبط بتسوية أميركية/ روسية مستحيلة في الظرف الدولي الراهن، بالنظر إلى أن أميركا لا تريد فك قبضتها عن عنق منافستها، التي سبق لها أن هزمتها وأطاحت بنظامها..
وتعاني من ظروف صعبة، لأن مستوى تطورها أدنى من مستوى التطور الأميركي بكثير، ما يشجع واشنطن على كسر التوازن العسكري القائم معها، ويمنعها من إرخاء قبضتها عنها، ناهيك عن الرضوخ لها، الذي يؤمن به تسعة أعشار السوريين.
تحكم أميركا قبضتها على العالم. أليس هذا ما يقوله التزام جميع المشاركين في الصراع السوري من عرب وعجم، بالخطوط الحمراء التي رسمتها لهم؟. وتحكم قبضتها على روسيا ودورها السوري، عبر الاحتفاظ بورقة الحسم، التي ستقرر نهايات الأحداث ومآلات التطورات، وفي المقدم منها، تطورات الوجود الروسي فيها.
وإذا كانت تفاوض منذ أعوام على حل يبدو مستحيلاً، فلا يعني هذا استسلامها أو رضوخها، أو عجزها عن فعل أي شيء، غير قبول ما تمليه موسكو عليها.
أيها السوريون.. مصيركم، في الوضع الحالي، في يد واشنطن، أكثر من أي طرف آخر، بل وأكثر من جميع الأطراف الأخرى مجتمعة، فلا تخطئوا الفهم والحساب، واستعيدوه منها، كيلا تحرثوا في البحر، وتضيعوا تضحياتكم، دون أن تنسوا بطبيعة الحال، ما تفعله روسيا بكم!