أصبحنا نسمع بعد ظهور داعش قصصاً مؤلمة صادمة، لم تكن تمر على الخيال، تفجير للمساجد، وقتل للأقارب والآباء والأمهات، فهذا شاب يقتل ابن عمه، وآخر يقتل خاله، وثالث يقتل أخاه، وأخيراً، شابان يقتلان والدتهما ويصيبان والدهما وشقيقهما، بدماء باردة وقلوب كالصخر، إن من يتجرأ على هذه الأفعال، لا بد أنه تجرد من قيم الرحمة والأخلاق الإنسانية والتعاليم الإسلامية، التي ترفض هذه الأفعال رفضاً قاطعاً.

أمر الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما وطاعتهما بالمعروف، ولكن داعش بعيدة تماماً عن أخلاق الإسلام وتعاليمه، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}، فالله تعالى نهى عن أن يؤذي المسلم والديه بالتأفف في وجههما، وهو أن يقول لهما كلمة (أف)، وهي كلمة لا تتجاوز حروفاً قليلة، فكيف بقتلهما وسفك دمهما؟!

إن هذه الجرائم لا تمت للإسلام بصلة، والإسلام براء منها، فهو دين الرحمة والإنسانية والتسامح، والله تعالى يقول في القرآن الكريم، عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقتل الوالدين جريمة من أشنع الجرائم ومن أشدها منافاة للرحمة، والناظر في تعاليم الإسلام، يجد المكانة الكبيرة للوالدين، وقد أمر الإسلام ببرهما في جميع الأحوال، قال سبحانه: {ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين، أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}.

إن مثل هذه الجرائم لا يتصورها العقل، والإرهاب بطبيعته فكر مدمر، يهدم العقول والقيم أولاً، ليهدم بعد ذلك الدول والمجتمعات، وينشر الدمار في العالم، فالإرهاب إذا تسلل إلى العقول، يصبح كالسرطان القاتل، يغتال عقل الشاب، ويغير طبيعة تفكيره، فيتحول إلى إنسان آخر، مليء بالحقد والكراهة والرغبة في الانتقام، وقد يترجم هذا السلوك العدواني مع أقرب الناس إليه، فيذهب ضحيته القريب قبل البعيد، فيخون بذلك وطنه، ويغدر بأفراد مجتمعه، فيصبح مجرماً يعاقبه القانون أشد العقاب.

ولا بد للمجتمع أن يقي شبابه من هذه السموم الفكرية، بنشر الأخلاق الإسلامية والقيم الإنسانية، إلى جانب مواجهة الفكر بالفكر، والقضاء على الأفكار المتطرفة بسلاح العلم والمعرفة، فنور العلم يزيل كل فكر مظلم، ونشر القيم والمبادئ الصحيحة، يطفئ لهيب الأفكار المتطرفة، ويحمي شبابنا من السقوط في هاوية الإرهاب المظلمة.

إن هذه الأعمال المروعة التي تصدم القلوب، هي نتائج للأمراض الفكرية الفتاكة التي يقع فيها الشباب الضائع، أمراض التطرف والإرهاب، التي تغزو المجتمعات، والجماعات الإرهابية يستغلون عقول الشباب لمصالحهم الوخيمة، فالمال عندهم فوق كل شيء، واستغلالهم للشعارات الدينية فقط لأجل المال والسلطة والكسب غير المشروع للمال من تجارة السلاح والمخدرات، وبيع الأعضاء البشرية والاستيلاء على الثروات.

على شبابنا أن يتحصنوا بالعلم والقيم وثقافة السلام والتسامح، وأن يتمسكوا بتعاليم الإسلام الصافية النقية الوسطية المعتدلة، وألا ينخدعوا بدعاة التطرف والمتاجرين بالدين، فهم دعاة هدم وقتل وتدمير وتخريب للفطرة والمعاني الإنسانية، وإن هذه الوقائع المفجعة، التي هزت كل قلب حي، من أكبر الشواهد على قبح الأفكار الإرهابية، التي لا يقبلها عاقل، ولا يتأثر بها صاحب فطرة سوية.