في فهم كثير من السوريين العاملين في الشأن العام، هناك خلط يمحو الخط الفاصل بين الحل السياسي والحل الدبلوماسي، ويوهم أصحاب هذا الفهم المغلوط أن الحل الدبلوماسي هو الحل السياسي حصراً، الذي سينتج عن قدرة المعارضة على إقناع النظام والروس والأميركيين والإيرانيين بتطبيق وثيقة جنيف وقرارات مجلس الأمن حول آليات تنفيذها، وخاصة منها القرار 8122.
بما أن الحل دبلوماسي، فإن الاعتراض على أولويته أو الامتناع عن دعمه سواء، حتى إن واجهت الدبلوماسية لبعض الوقت مصاعب تحول دون تحقيقه، كالوقائع العسكرية والميدانية، التي تؤكد أن الواقع يذهب في اتجاه والمفاوضات في آخر، وأن الحل لن يكون دبلوماسياً، ما دام النظام وحلفاؤه يعملون ضده ويرفضون ما يقوم عليه من وثائق وقرارات.
هل صحيح أن الحل السياسي يتساوى مع الحل الدبلوماسي، وأن إنجازه يتوقف على طاولة المفاوضات وحدها؟ وهل يمكن، منطقياً وواقعياً، تصور نجاح حل محض دبلوماسي ينجزه متفاوضون عبر إقناع بعضهم البعض بتطبيق ما بحوزتهم من قرارات دولية، إن كانت الطاولة، التي يجلسون حولها، تتعرض لمطر من القنابل التي تنهمر عليها من سماء حرب تخوضها دول عظمى وكبرى وإقليمية ومحلية..
حولت سوريا إلى ساحة تحسم فيها تناقضات استراتيجية ومصلحية، لم تحترم يوماً أية وثائق وقرارات واعتبارات دولية أو إنسانية، تنخرط منذ نيف وخمسة أعوام في حرب لن تتوقف قبل تحقيق أهداف واشنطن أو إيجاد تسوية ما بينها وبين الأهداف الروسية، وتصفية ما بينها من حسابات قديمة وجديدة؟
إلى أي كم من السذاجة يحتاج المرء كي يصدق أن الحل المطلوب لصراع معقد ومتشعب كالذي يدور في سوريا يرتبط بما تملكه أطراف سياسية سورية هامشية الدور من أهلية لإقناع هذه الدول بقدرة الدبلوماسية وحدها على تحقيق أهدافها؟
مقابل تجاهل دور التطورات الدولية الحاسم، يتعامى أنصار الحل الدبلوماسي عن دور التطورات الداخلية في تحديد وجهة ومآل الصراع السوري / العربي / الإقليمي / الدولي، لافتقارهم إلى رؤية دقيقة لواقع الجيش الحر والتنسيقيات والمجالس المحلية والتيارات المدنية، وعجزهم عن بلورة مواقف صحيحة من صراع بقي دورهم فيه برانياً، وقادهم إلى أخطاء طاولته وامتدت إلى سياسات الدول التي يرى البعض أنها تحتل سوريا، وخاصة منها روسيا، التي يعتقدون أنهم يستطيعون التأثير على خياراتها وممارساتها، ومن غير المقبول اعتبار وجودها في سوريا احتلالاً!
هذا الفهم، الذي يفصل الحل السياسي عن الحروب الدائرة في سوريا، وعن قواها الخارجية والداخلية، التي تتصارع على أهداف غير سورية، وتتجاهل إعلانات الأسد اليومية حول تمسكه بحل عسكري يسحق الشعب والمعارضة والجيش الحر، لن يسهم في إخراج سوريا من الجحيم إلى الحرب ولن يأخذها إلى السلام..
ويطيل التعلق بأوهامه مأساتها، ليس فقط لأنه يتجاهل أولوية التصدي الناجح للمسائل التي تقرب الحل السياسي العادل لمأزقها المرعب، وإنما كذلك لأنه يأخذها إلى مكان يزيد ذهابها إليه ضياعها وقد يتسبب في هزيمتها. ليس، ولن يكون هناك حل دبلوماسي، محض تفاوضي، للصراع الدائر في سوريا، مفصول عن رهانات القوى المتصارعة فيها، وعن واقعها السياسي والعسكري.
ولن يكون هناك غير حل سياسي تنتجه موازين قوى تكون في صالح الثورة، عندئذ يمكن للدبلوماسية أن تلعب دورها في إنجازه. لن يكون الحل إلا سياسياً تلعب ميادين القتال دوراً تقريرياً في إنجازه، بالنظر إلى إصرار النظام على انتصار يحققه بسلاحه وسلاح روسيا وإيران، شرطه سحق الشعب السوري وإنزال الهزيمة به.
في سوريا الراهنة، هناك حل عسكري، وثانٍ سياسي، وثالث دبلوماسي، يشطب أنصاره الحلين الأول والثاني، تأكيداً لغربتهم عن الثورة واحتمالاتها، وعن مستلزمات انتصارها!