هناك كراهية أو خوف أو رهاب ـ فوبيا ـ لدى البعض من حرية الرأي والتعبير، حالة تبدو نفسية، وتعبر عن احتقان ممتد، والسؤال: من يخشى سلطان العقل وانطلاقه الحر، والإبداع وجمالياته المغايرة للواقع الموضوعي ومحمولاته ومشكلاته وتعقيداته؟ إن معرفة الفاعلين ومحركي هذه الشكاوى، ربما تكشف عن حدود هذه المشكلة التي باتت تشكل توظيفاً سلبياً للنصوص والآليات القانونية، ويمكننا الكشف عن بعض هذه المؤسسات/ الفاعلين الذين يريدون وضع العقل والإبداع والرأي والبحث العلمي تحت السيطرة في بعض الآراء من المتحمسين أو الغلاة الذين يدعون أنهم يدافعون عن الدين، والدين منهم براء، ويلجأون إلى رفض الإبداع الفكري الإنساني في مختلف مجالاته، ويقولون إنه يشكل خطراً على الأخلاقيات والآداب والعقائد العامة.
السؤال: لماذا يقلق البعض من حريات الرأي والفكر والإبداع ويدعي أنه يدافع عن التقاليد والأعراف وعن الدين؟ للعديد من الأسباب على رأسها ما يلي:
1- الخوف من حرية الرأي والابتكار والإبداع، هو تعبير عن جمود الفكر الديني لدى هؤلاء المدعين، وابتعادهم عن جوهر الدين الذي هو صالح لكل زمان ومكان ويواكب التطورات أكثر وأسرع منهم، فهم غير قادرين على مواجهة أسئلة ومشكلات الحياة التي تواجه المؤمنين، وبالقطع ليسوا قادرين على حلها. ولا يعرفون شيئاً عن الاجتهاد والقياس في التفسير الديني لملاءمة الأحكام للتطورات.
2- النزعة الوصائية من البعض على إيمان المؤمنين وممارسة سلطة لاهوتية وكهنوت حرمه الدين، والخوف من تأثر العامة بالأفكار النقدية والتنقيحية أو الإبداعية على نحو يؤثر على سلطتهم.
3- دعم بعض الأنظمة التسلطية السياسية الحاكمة لهذه السلطة الكهنوتية، وتحالفهم معها الذي يعطيهم سطوة ونفوذاً على الضمائر والإيمان والأخلاق العامة.
4- تعرض بعض رجال الدين وعلماء الفقه المثقفين القادرين على تقديم التفسيرات الصحيحة والملائمة للعصر، للاضطهاد من الجهلاء القريبين من السلطات العليا، وهو ما ظهر في الإسلام والمسيحية وحتى اليهودية أيضاً، من صعود الجهلاء واقترابهم من مراكز السلطة لقدرتهم على النفاق، وابتعاد العلماء والفقهاء الذين يخجلون من الاقتراب من رجال السلطة.
6- العقل النقلي الذي يتسم به الضعفاء من رجال الدين عموماً بحكم تكوينه، هو عقل مسيج بسياجات لا يجوز التحرك خارجها، أو حولها في الغالب الأعم إلا نادراً – لدى بعض رجال الدين المثقفين- للتعامل مع أسئلة وإشكاليات خارج حدود العقل النقلي.
7- قفل باب الاجتهاد وجمود بعض المذاهب والمدارس الفقهية عند تفسيرات قديمة لا تتلاءم مع تطورات الحياة الحديثة وتعطل في نفس الوقت إعمال النصوص الدينية الملائمة لكل زمان ومكان.
تميل الجماعات المسيسة إلى التشدد والغلو لأسباب سياسية في صراعها للوصول إلى السلطة والتمدد بين جمهور المؤمنين، ورغبة في إظهار التمايز مع ما هو سائد، لاسيما من بعض المتشددين والسلفيين الغلاة. بعض منظري هذه الجماعات يميلون إلى استخدام سلاح التكفير في مواجهة خصومهم بإفراط شديد، وهي ممارسة تهدف إلى الهيمنة على الأتباع.
وتلجأ بعض الأنظمة الحاكمة إلى توظيف الدين في العمليات السياسية، كمصدر للشرعية، وأداة للتوازن السياسي، والضبط الاجتماعي، وفي تبرير إيديولوجيا النظام وسياساته وقراراته، وذلك في مسعى لتأميم الدين ووظائفه لصالحها ضد القوى السياسية الأخرى.