هكذا العظماء، أينما كانوا، تسبقهم سمعتهم الطيبة، وسماتهم الرائعة وأخلاقهم النبيلة. وفي وطني الإمارات، عديدون تخرّجوا من مدرسة زايد الخير، طيّب الله ثراه. رافقوا القائد المؤسس قبل ميلاد هذا الوطن العزيز وبعده.

ولك أن تتصور مدى التأثير المذهل الذي يمكن أن تحدثه ملازمة قادة مثل الشيخ زايد، وكذلك أولئك الذين شاء القدر أن تقترن مسيرتهم بالشيخ راشد، طيّب الله ثراه.

شخصيتنا الفذة، أحمد خليفة السويدي، حظي بما لم يحظ به كثيرون من أبناء جيله؛ حيث الرُفقة الدائمة للقائد المؤسس، والمشاركة الفعلية في بناء مؤسسات إمارة أبوظبي قبل الاتحاد، وكذلك الإسهام بفاعلية في تأسيس كيان الاتحاد عام 1971 وبناء مؤسساته بعد ذلك التاريخ.

في مقابل تلك الحظوة الفريدة للسويدي، والدور الرائد الذي أدّاه، كانت هناك -بلا شك- تضحيات جسام، وتحديات كبيرة، واجهته، وواجهت جيل المؤسسين لبناء هذا الصرح الشامخ الذي نستظل به اليوم بكل عز وفخر.

عندما سعدت بزيارته والتقيته منذ أيام في مجلسه في العاصمة البريطانية لندن، كان مجلسه - كما هي الحال في أبوظبي أو في العين - عامراً بوجوه من مختلف الأطياف والجنسيات والثقافات، في مشهد يعكس طبيعة مجتمع الإمارات المتنوع، الثري بتعدده، المعتز بخصوصيته.

وهي الطبيعة التي تترجم روح التعايش والتسامح السائدة في الدولة كنموذج إنساني قلّ نظيره. في زمن مشحون بالنزاعات والصراعات الإثنية والطائفية البغيضة.

مسيرة السويدي التي أهّلته لتبوؤ هذه المكانة الاجتماعية المميّزة، حافلة بالإنجازات والمواقف التي سيُسجلها التاريخ بحروف من نور. ولعل في استعانة المغفور له الشيخ زايد بعد توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966 إشارة إلى الدور المحوري الذي سيؤديه السويدي في مسيرة هذا الوطن لاحقا.

فقد تولى أحمد خليفة السويدي مسؤوليات عديده، أهمها استقدام الخبراء وتشكيل فرق العمل لـ«مأسسة» العمل الحكومي في الإمارة، والشروع في الخطوات الأولى للتنمية، تلبية لرؤية الشيخ زايد.

موجها في الوقت ذاته، بتأييد ودعم كبيرين لتحقيق الكثير في زمن قصير. ولعل الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة من ستينيات القرن الماضي من بنية أساسية، والتأسيس لنهضة تعليمية في الداخل، وبرامج الابتعاث للخارج، وبناء المرافق الخدمية الأخرى، كانت أبرز تلك الإنجازات.

ثم جاءت اللحظة التاريخية التي اختير فيها أحمد خليفة السويدي لِيُعلن فيها ميلاد الاتحاد، حيث قرأ ذلك البيان الخالد معلناً قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. وذلك بحضور الآباء المؤسسين، وحشد من الشخصيات ووسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية. وقد تشرفت بحضور ذلك المشهد الرائع، وتلك اللحظة التاريخية يوم الثاني من ديسمبر 1971 برفقة والدي رحمه الله.

سوف يذكر التاريخ بكل إجلال أن أحمد السويدي هو «أبو» الدبلوماسية الإماراتية، التي أسس لها، واختار بعناية كوادرها، وأولاها العناية والرعاية لتقوم بأدوارها الوطنية خارج البلاد.

والفضل يعود لرؤية قيادتنا الحكيمة، ولأداء السويدي، وزير الخارجية آنذاك، في السمعة العالمية الراقية التي حظيت بها دولة الإمارات وفي زمن قياسي في حقبة السبعينيات من القرن الماضي. تلك الدبلوماسية كانت أولوية وطنية لدى الشيخين الجليلين زايد وراشد..

وما زالت في مقدمة الأولويات في هذه المرحلة وتحظى بعناية خاصة من رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وكذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وقد قفزت قفزات نوعية في السنوات العشر الأخيرة بقيادة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان تمثلت في العديد من الإنجازات التي تحققت للدولة في المحافل الدولية.

تطور مسيرة الدبلوماسية الإماراتية، شأنها شأن القطاعات الأخرى، التي مرت بمراحل متعددة، فكانت مرحلة التأسيس ثم مرحلة التمكين. حيث كان أحمد السويدي شخصية هامة في مرحلة التأسيس. واستمر- لما يملكه من تجارب وخبرات وصفات قيادية- مرجعاً مهماً لقيادتنا السياسة في الدولة.

وتقديراً من هذه القيادة لأبي محمد السويدي، تم اختياره عام 2015 ضمن 44 شخصية إماراتية من أوائل الإمارات. وقد وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأنه علم إماراتي نفتخر به وبعظم ما قدم للوطن. كما ذكره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كلمته أمام القمة الحكومية عام 2015 باعتباره أحد مؤسسي الجهاز الرائد، جهاز أبوظبي للاستثمار.

أحمد خليفة السويدي تاريخ مُشرِّف، يجب أن يعرفه أبناء هذا الجيل. جمع بين الإنجازات الوطنية والصفات الرائعة، من نضج تجربة، وحكمة، وأخلاق راقية، ووفاء منقطع النظير، وهي صفات، إذا اجتمعت في الإنسان أهّلته أن يكون مثالاً وقدوة لغيره، وهكذا هو أحمد السويدي.

بقي رجاء نأمل أن يتحقق، وهو أن يقوم شخصيتنا الفذة، أحمد السويدي بتوثيق مسيرته الثرية، وتجربته الحافلة في العمل العام ومسيرة الدولة، والمواقف والدروس التي لا شك أنها ستكون مفيدة للغاية لأبناء هذا الجيل والأجيال القادمة. ذاكرة السويدي يجب توثيقها لأنها تمثل جزءاً جميلاً ومهماً من ذاكرة الوطن. جزى الله أبا محمد خيراً على ما قدم لوطنه وأمته، وأمتعه بالصحة وطول العمر.