ادعى بشار الجعفري، رئيس وفد النظام السوري إلى مفاوضات جنيف، أن القول بحل سياسي يبدأ بتشكيل «هيئة حاكمة انتقالية» هو قراءة خاطئة للمرجعيات الدولية. وكان وزير خارجية الأسد، وليد المعلم، قد زعم أن أي حديث عن مصير الأسد يتعارض مع القرارات الدولية، لأنه ليس فيها ما يشير إليه أو يتعلق به. لذلك، لا يحق لدي ميستورا أو لأي فرد أو أية جماعة أو دولة المطالبة بانتخابات رئاسية سورية، بعد ثمانية عشر شهراً. بدوره، زعم بشار الأسد نفسه أنه لم يتم بلوغ حل سياسي، لأن المعارضة ترفض «حكومة الوحدة الوطنية»، متجاهلاً أنها لم تذكر في أي قرار أو اتفاق دولي، على العكس من «الهيئة الحاكمة الانتقالية»، التي يرفضها باعتبارها قراءة خاطئة لوثيقة جنيف.
هذه الأقوال لممثلي النظام، تعني بكل بساطة رفض جنيف واحد، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، الذي نص حرفياً على بدء عملية السلام بتشكيل «الهيئة»، ومنحها صلاحيات بشار الأسد ورئيس وزرائه، الأمر الذي يجعلنا نتساءل بكل جدية إن كان وليد المعلم قد قرأ حقاً القرارات الدولية، ومنها القرار2254، الذي يقول بإجراء انتخابات رئاسية خلال ثمانية عشر شهراً من صدوره، وإذا جهل الجعفري بوثيقة جنيف والقرار 2118 هو الذي يفسر حملات السباب والسفاهة التي كان يؤكد خلالها أن مكافحة الإرهاب، وليس تشكيل «الهيئة» كاملة الصلاحيات التنفيذية، هو البند الأول في المرجعيات والوثائق الدولية.
لا شك في أن المعلم والجعفري يعرفان نصوص القرارات الدولية، لذلك يرفضانها كونها مرجعية لنظامهما، الذي سيقضي نحبه بتطبيقها، وسيجر قادته، كما سيجران كلاهما، إلى محكمة الجنايات الدولية لمشاركتهما في قتل وجرح وتعطيل وتشويه وتعذيب وتجويع ومحاصرة وتسميم ملايين السوريات والسوريين، فلا غرابة في أن يتجاهلا ما قرره العالم لسوريا، بحجة أنه فهم قراراته بطريقة خاطئة، وأن يثير موقفهما ردوداً غاضبة من دي ميتسورا وحتى روسيا: الأول لأن التصريحات الأسدية تنسف مهمته وتقضي على جهوده، والثانية لأنها هي التي ضمنت القرار الدولي رقم 2254 اقتراحاً بإجراء انتخابات رئاسية خلال ثمانية عشر شهراً، لكن الغريب، في الوقت نفسه، أن رد فعلها السياسي الشديد، تلازم مع رد فعل عسكري قوي، خرق الهدنة كي يحسن موقفه الميداني.
هل أمر الأسد مسؤولي وزارة خارجيته بتأكيد ما كرره دوماً، وهو أن الحل عسكري وليس سياسياً، وأن ما أقره العالم في وثيقة جنيف واحد والقرار 2254 حول الحل السياسي يجب أن يعتبر منعدماً ولا وجود له؟ أليس هذا ما أكدته تصريحات المعلم والجعفري بالأمس القريب، وألح عليه تصريح الأسد يوم 31 مارس الماضي للتلفزيون الروسي؟
ماذا ينتظر العالم كي يردع الخارجين على قراراته، إن كان يرغب حقاً في حل سياسي؟ ألم يحن الوقت بعد لإنهاء مأساة شعب ليس ولا يريد أن يكون طرفاً في صراعات دولية، تتجاهل موته وتبقي على النظام الأسدي، بينما يصفى الكبار حساباتهم بدمائه، وضد إرادته؟
لم يكن رد العالم على تفوهات هؤلاء بالمستوى الذي يؤكد احترامه لقراراته السورية. لذلك، من المنطقي الاعتقاد أن الحل السياسي ليس قريباً، أولاً: لأن روسيا تشارك الأسد موقفه وتواصل، بالمقابل، دعمه عسكرياً وتعمل لإبقاء ميزان القوى راجحاً لصالحه. وثانياً: لأن واشنطن تجاهلت ما قاله الأسد وتابعاه، وواصلت سعيها إلى صفقة تقبلها موسكو، تكون أولويتها تسوية خلافاتهما وليس تطبيق القرارات التي تعترف بحق الشعب السوري في التخلص من النظام ونيل الحرية.
تسمح الدولتان الكبريان لنظام دمشق بهوامش حركة ينسف بواسطتها سلاماً تدعيان أنهما تريدان تحقيقه، لذلك لا تفعلان شيئاً ضده.
والغريب أن بيننا اليوم أيضاً من يصدق أنهما تريدان حلاً سلمياً، وشيكاً!