كان مشهداً مقرفاً وكريهاً لداعية الكراهية الإخواني، وهو ينال من العالم المصري المرحوم الدكتور أحمد زويل وينعته بالكفر والخروج من الملّة، وعدم جواز الترحم عليه، بل وجواز لعنه! إنها الجرأة على الله في أبشع صورها. حديث هذا المهرّج كان مشحوناً بالحقد والكراهية مع النشوة في السباب والقذف، وكأنه إنما يسوق البُشرى لمشاهديه ومستمعيه.
هذا الأسلوب من الخطابة، وصفه الرئيس السادات رحمه الله في خطابه الأخير عام 1981 بالجرأة والبذاءة، وهما صفتان تنطبقان تماماً على هذا البذئ وأمثاله، وما أكثرهم! ليس فقط من تنظيم الإخوان، بل ومن كل الجماعات التي تتستر بالدين، وتتخذه مطية لخدمة أغراضها الخاصة، وأجندتها المشبوهة. أو تلك التي تدّعي أنها الفرقة الناجية، وتحكم بالهلاك على من سواها.
جريرة زويل رحمه الله - والتي استحق بها التكفير - في نظر داعية التكفير، في أنه كان من الأفذاذ الذين تفوقوا في مسيرتهم الأكاديمية والبحثية، وأصبح مرجعاً عالمياً في تخصص الكيمياء، وتوّج كفاحه العلمي بالحصول على جائزة نوبل. أما صاحبنا البائس، فكل مؤهلاته وإنجازاته، حنجرة قبيحة، سخرها للفحش والبذاءة، ونشر التحريض والكراهية. وهو وأمثاله عالة على هذا الغرب الكافر، يطير إلى دوله للعلاج، ويرسل أبناءه للدراسة في معاهدها وجامعاتها، بل إن كل ما يستهلكه ويلبسه هو من صنع من يسميهم بـ «الكفار»، ولو منع منه هذا الغرب «الكافر» ما يستهلكه ويستخدمه، لأصبح عرياناً لا يجد ما يستر به عورته! هل رأيتم نفاقاً أشد من هذا؟
لا يكاد العقل يستوعب هذا الحضيض الذي وصل إليه الخطاب الحافل بالجهل، والمشحون بالكراهية، والتفسير الخطأ للنصوص الدينية، حسب أهواء الوعاظ والمفتين والخطباء الفارغين، أو المُسيّسين. ولم يسلم من بؤس هذا الخطاب وفُحشه، لا الأحياء ولا الأموات! والمأساة في دعاة التكفير هؤلاء، في البشر الذين يتبعونهم، ومدى التأثير المدمر الذي يحدثونه في عقولهم وأفكارهم. في دلالة محزنة أخرى على مدى التراجع الثقافي والفكري لدى الشباب العربي، بل وفي فقدان الحصانة الفكرية لديهم، بحيث يمكن شحن هذه العقول بمثل هذا الهراء والإجرام.
وإذا كانت محاكمة المجرمين، مرتكبي التفجير والاغتيالات واجبة، فإن محاكمة هؤلاء المحرضين ودعاة الفتنة أولى وأوجب. يجب أن تتم محاسبة هؤلاء المحرضين على فتاوى التكفير التي يتذرع بها الشباب المُغرر بهم.
فهم المرجع الذي يستند إليه الإرهابيون في إرهابهم، والمجرمون في إجرامهم. وباسم الدين وتحت غطائه، يمارس هؤلاء وهؤلاء أبشع الأعمال الوحشية التي عرفتها البشرية على مر تاريخها. ويستوي في الإجرام، المبررون لتلك الفتاوى وما يعقبها من ممارسات إرهابية وإجرامية.
جماعة الإخوان ودون مبالغة، هي «أم الإرهاب» التي فرّخت جماعات الإرهاب على مدى ما يقرب من تسعين عاماً من تاريخها الأسود، ويتلاقى هذا الفكر الإقصائي الإرهابي الذي بُني عليه هذا التنظيم، مع تيار التشدد والتفسير الحرفي للنصوص، والمتخصص في التفسيق، والحكم بالبدعة على كل جديد، وتضليل كل مخالف. هؤلاء كذلك، يؤسسون لثقافة إقصاء الغير ونفيه، ويضعون قواعد التكفير ويُشرعنونها حسب قراءتهم القاصرة وفهمهم السقيم للنصوص، وما أكثر هؤلاء في الفضائيات، وفي فضاء الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي.
الرئيس الراحل السادات انتبه إلى ذلك، وأشار إليه صراحة عندما تلاقت جماعة الإخوان مع الجماعات الأخرى في تهديد كيان الدولة ومؤسساتها، وتهديد النسيج الاجتماعي في مصر. وقال: ما فيش فرق بين الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية، كله واحد !.
في ظل اختطاف الدين من قِبل تلك الجماعات، لا تكاد تسمع في أدبياتها وخطاباتها عن سماحة الإسلام وإنسانيته. وأن الله سبحانه وتعالى أرسل رسوله عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين. ولا تجد ذكراً لقوله تعالى «ورحمتي وسعت كل شيء» ولا إلى قوله مخاطباً الرسول الكريم «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ».
الفجوة بين جوهر رسالة الإسلام وواقع الخطاب الديني المعاصر مهولة، والآثار الناتجة عن إهمال الإصلاح الديني وخطابه مُدمرة. وتشويه الدين الحنيف على يد المنتسبين إليه غير مسبوق. وتبدو مسيرة إصلاح الخطاب الديني طويلة وشاقة، ولن يتم ذلك إلا بعد نسف الخطاب القائم، وإعادة بنائه على نحو يستقيم مع جوهر رسالة الإسلام ومبادئه الإنسانية العظيمة.
لكن لا يبدو في الأفق وجود مشاريع إصلاحية جادة وشاملة.
من المؤكد أنها تمثل تحدياً كبيراً لفتح هذا الملف الخطير وما يتضمنه من وجود فكر ورؤية إصلاحية جريئة، تواجه السلطة الهائلة التي يتمتع بها دعاة التطرف والفتنة وكذلك أولئك الجامدون الحرفيون مُدّعو الفرقة الناجية !