كانت مبادرة رائعة، ولفتة إنسانية كريمة، من قيادتنا الرشيدة بالتوجيه لزيارة منسوبي قواتنا المسلحة في الخارج. تشرفت أن أكون ضمن نخبة من الشخصيات العامة، في رحلة لاتُنسى لمدينة المكلا في اليمن. وهي العاصمة الإدارية لمحافظة حضرموت، كبرى محافظات اليمن.
كانت هذه الزيارة تشريفاً وتكريماً لنا جميعاً، للقاء تلك الوجوه النيّرة، المرابطة في ميادين العز والشرف، حاملين أرواحهم على أكفهم، مدافعين عن المقدسات الدينية والوطنية، مُسهمين في إعلاء القيم الإنسانية، مُجسدين معاني الأخوة العربية في أروع صورها.
وقد جددت وأكدت هذه الزيارة، لدى المشاركين فيها، قناعة راسخة ، أن قيادتنا الحكيمة، قد اتخذت قراراً استراتيجياً صائباً بالمشاركة في عملية عاصفة الحزم مع التحالف العربي لإعادة الشرعية إلى اليمن، ووقف التمدد الإيراني في المنطقة، وصد أطماعها، وبالتالي حماية الجزيرة العربية والخليج العربي من التغول الإيراني وتهديدها لأمن المنطقة العربية بأسرها.
تنظيم الزيارة، تميز بالدقة وحسن الترتيب، في دلالة على مستوى الانضباط، والمهنية العالية التي يتمتع بها العاملون في قيادة قواتنا المسلحة، أما العرض الذي قدمه الضباط للوفد الزائر، فقد كان مبهراً ودالاً على كفاءة عالية في المهام العسكرية التي قاموا بها خلال عملية تحرير المكلا.
إضافة إلى ماقام به أفراد قواتنا المسلحة الباسلة لأعمال إدارية، ومهام لاتتصل بعملهم العسكري، من حيث إسهامهم الفاعل في عملية البناء للمؤسسات المتهالكة، وتقديم المساعدات الإنسانية، والخدمات الأساسية من صحة وتعليم وإعادة تأهيل مرافقهما.
أما قصة تحرير المكلا، فتلك ملحمة بطولية تاريخية، بدأت بحسن التخطيط لها، وانتهت بنجاح مذهل. وفي زمن قياسي ، لا يتجاوز عشرين ساعة ! كان ذلك في شهر أبريل الماضي، حيث تم التحرير والتطهير من تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي كان مسيطراً على المدينة لمدة تزيد على العام، بعد خروج قوات الحوثي والمخلوع عنها، والذين تركوا أسلحتهم وراءهم ليتلقاها التنظيم الإرهابي. تاركين المدينة لمصيرها البائس مع جماعة موغلة في التوحش والإرهاب.
عندما انتهت عملية تحرير المكلا، سجَّل التاريخ بدء مرحلة مشرّفة ومُشرقة من تاريخ المدينة، وبدأت معركة التعمير لإعادة البناء، مستنيرين بتوجيهات قيادتنا، وإسهامات مؤسساتنا الإنسانية والخيرية، التي تدافعت إلى اليمن للعمل مع أشقائنا في التحالف العربي في مشروع إعادة الأمل، وإعادة الشرعية وتثبيتها.
ماتم إنجازه في المدينة على أيدي جنودنا البواسل ، مبعث فخر لهذاالوطن، فمن تعبيدالطرق، وفتح المطار، وتحسين مرافق الميناء، وإعادة تجهيز الإذاعة المحلية وتشغيلها، وترميم المدارس، وتلبية احتياجات الطلبة من المستلزمات التعليمية الأساسية، إلى الاعتناء بالمرافق الصحية، كل ذلك أمثلة على مدى الحضور الإماراتي الخيِّر في الساحة اليمنية بشكل عام، وفي المكلا تحديداً.
هذه الأعمال المباركة، أسهمت في تحالف الأشقاء اليمنيين وتعاونهم مع قواتنا وقوات التحالف الباسلة من أجل مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية، من القاعدة وداعش وأخواتهما. وقد انكشف كذلك الدور المتخاذل لجماعة الإخوان المسلمين وانتهازيتها في التحالف مع أعداء الشرعية وخصومها.
في زيارتنا للمكلا، لمسنا في حديث أفراد قواتنا المسلحة ، ومن خلال العرض الذي قدموه ، قدراً عالياً من الحماس والنبرة الإنسانية المرهفة، التي تلامس الوجدان، وتخترق القلوب ، وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى غريباً وغير متوقع ، ممن كان تأهيلهم تأهيلاً عسكرياً صارماً وشديداً.
لكن هذا الاستغراب يتلاشى ، عندما تلمس هذا الحس الإنساني النبيل والمبهر في راعي مؤسستنا العسكرية وملهمها، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي يجمع في شخصه الكريم من الصفات القيادية أعلاها، ومن الخصائل الإنسانية أرقاها.
زيارة المكلا كشفت لنا كذلك ، عن ملامح مشروع عربي محترم وطموح ، بقيادة المملكة العربية السعودية وبمشاركة قوية وفاعلة من دولة الإمارات ، في مواجهة مشروع إيراني توسعي تخريبي. وفي المكلا أيضاً، يدرك المرء الفارق الهائل بين معاول البناء والخير والتنمية والتعمير ، التي يحملها أبناء زايد، وبين معاول الهدم والتخريب والتفكيك التي يقوم بها مشروع ولاية الفقيه، وشتان ما بين المعولين!