أمام مؤتمر تعزيز الهوية الخليجية والذي انعقد في دولة الكويت الشقيقة أخيراً وضعت حقائق مذهلة أمام المتلقين. المتحدث الرئيسي في الندوة هو الأمير سلطان بن سلمان آل سعود. وهنا اقتبس عبارة من عباراته التي يقول فيها «قدرنا في دول الخليج أن نكون مستهدفين. وأمام هذا الاستهداف ليس لدينا إلا النظر إلى الداخل».

وما يقصده الأمير كان واضحاً. فقدر دول الخليج هو الاعتماد على ذاتها وسواعد أبنائها بعيداً عن الدعم الأجنبي. على دول الخليج أن تعتمد على سواعد أبنائها حاضراً ومستقبلاً. تنويع مصادر الدخل والابتعاد عن النفط والاعتماد على النفس في إدارة الأزمات وفي التهيئة الجيدة للقادم من الأيام هو ما يجب أن تستعد له جميع دول الخليج. فالاعتماد على سواعد شبابها وحماية نفسها بنفسها هو ما يجب أن تقوم به حاضراً ومستقبلاً.

فالإعداد الجيد لشبابها لكي يتحملوا كامل مسؤولية البناء والتنمية هو أملها. ففي دول الخليج يوجد حوالي 9 ملايين من الشباب الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة سواء المدرسية أو الجامعية. هؤلاء يمثلون المستقبل بكل ما يحمله من طموح وآمال وطنية؟ وإذا ما عرفنا أن الهوية هي أساس المواطنة الصالحة فكيف نعزز الهوية ونعمل على إذكاء روح المسؤولية والانتماء للوطن بعيداً عن الاتكالية والتعصب والتطرف؟ ما هي خطط دول الخليج لتعزيز هوية الشباب وتنمية انتمائهم لوطنهم بعيداً عن التيارات الأصولية التي تخطط لتلقفهم؟ وكيف نوازن بين خطاب التعليم لخدمة سوق العمل وخطاب التعليم لخدمة الهوية الوطنية؟

عندما نتحدث عن الهوية ينتابنا شعور قوي بجلد الذات، خاصة عندما يتعلق الأمر بشباب المستقبل وكأننا مسؤولين عن ضياع الهوية. وعلى الرغم من تحملنا جزءاً من المسؤولية إلا أننا يجب أن نتقبل وبرحابة صدر كل الانتقادات بحكم أنها صادرة ليست من مراقب أجنبي أو من ناقد وحاقد بل من عقول وطنية تهدف إلى خير هذه المجتمعات. إنه المنهج النقدي الذي يهدف إلى البناء وليس إلى الهدم. وفي واقع الأمر إن دولة الإمارات، كأنموذج، من الدول التي أعطت للشباب دوراً مهماً في صنع القرار. هذا الأمر يهيئ الشباب لتحمل المسؤولية ويجعلهم مهيئين لها.

إننا نتفق جميعاً على أن التعليم يلعب دوراً مهماً في تشكيل هوية الفرد.

وإدراكاً من الحكومات الخليجية لهذا الأمر فقد مرت المناهج الدراسية في دول الخليج في مرحلة غربلة وإصلاح لجعلها تواكب المناهج العالمية. ولكن النقد الذي وجه لها بعد الإصلاح أنها لم تصبح بالضرورة أفضل على الأقل بما يختص بتعزيز الوعي بالهوية. ففي واقع الأمر يتخرج الطالب من المدرسة وهو في حيرة بين ما تعلمه في المدرسة من معلومات وقيم وبين الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه.

ففي الكثير من الأحيان هناك تناقض كبير بين الجانبين، الأمر الذي يؤثر على البناء النفسي للفرد. ففي المدرسة يتعلم مثلاً أن يحترم لغته العربية بينما يعج المجتمع بكل اللهجات واللغات. من جهة أخرى يجد الطالب نفسه في صراع بين الحداثة التي يتعلمها في المدرسة في صورة تقنيات وممارسات وبين الموروث الشعبي الذي عليه أن يحافظ عليه. فالتعديلات التي لحقت بالمناهج كانت تهدف أصلاً إلى تفكيك المفاهيم القديمة وإحلال مفاهيم جديدة محلها.

وفي واقع الأمر لا نستطيع تعزيز الهوية الوطنية إلا بتلبية متطلبات المواطنة العامة كالحرص على العدالة الاجتماعية والمساواة وتمكين المرأة.

كما أن تشجيع المبادرات الشبابية والتحفيز على الإبداع خاصة في مجال الاستفادة من معطيات التراث وتشجيع الأنشطة التطوعية جميعها محفز مهم للانتماء الوطني. فتلك المبادرات هي الضامن لحماية الهوية واستمراريتها بين الأجيال الشابة. كما أن الاعتزاز بالهوية المحلية دون نبذ الآخر هو أيضاً ترسيخ للهوية الوطنية وإبراز لها.

أن تحدي الهوية من التحديات الجديدة التي تواجهها دول الخليج جميعها ومن دون وضع استراتيجية مشتركة لبناء هوية موحدة لن تستطيع الجهود الفردية النجاح واجتياز هذه العقبات الحضارية. فالصمود في وجه الرياح العاتية يحتاج إلى جهود مشتركة لمد شبكة قوية توفر الأمن والأمان النفسي لشبابنا وتوفير الدعم الذي يجعلهم يختارون الانتماء للوطن ومكتسباته عوضاً عن الانتماء لفكرة أو أيديولوجية تجرفهم.