يصادف اليوم الذكرى الـ26 لرحيل المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، وفي سيرة الأفراد العاديين، فإن مرور هذه المدة الزمنية على رحيلهم كافية لتراجع حضورهم في ذاكرة الناس، فضلاً عن الأوطان التي ينتمون إليها. لكن راشداً، وبكل تأكيد، حاضر في وجدان أبناء شعبه وفي قلوبهم، وفي ذاكرة وطنه وأمته، كما هو حاضر، وبقوة، في إرثه الهائل من الإنجازات، والتي بفضله، وحســـن قيادته وإدارته تم تحقيقها على هذه الأرض الطيبة.

ربما كنت أحد المحظوظين الذين ينتمون إلى جيل أدرك جانباً من تلك الحقبة التي شهدت خطوات النهضة لإمارة متألقة، تبهر القاصي والداني كل يوم، بمبادرات ومشروعات غير تقليدية، بل واستثنائية، هدفها تحقيق الأمن والرخاء والسعادة للمواطنين والمقيمين على حد سواء. كان لدى الشيخ راشد حلم كبير، وتوقعات هائلة، لحياة الرفاهية التي ينشدها لأبناء شعبه، وعلى قدر ذلك الحلم وتلك التوقعات كانت هناك جملة من التحديات. لكن الإرادة والعزيمة والمثابرة كانت هي الغالبة. فتحول الحلم إلى واقع جميل نلمسه جميعا اليوم.

يُجمع كل من عرف راشداً على حنكته وبصيرته في إدارة شؤون الحكم، فقد كان رجل دولة بامتياز، ويجمع هؤلاء أيضاً أن إرادته لم تكن تعترف بالمستحيل، وعزيمته لم تكن تعرف اللين. وفي سنوات حكمه الممتدة من 1958 إلى 1990 - بل وفي عهد والده الشيخ سعيد بن مكتوم، كان قائدا بَصِيرا محنكا، برؤيته كان يضع الخطط الطموحة، وبعزيمته الصادقة يتابع تنفيذها.

كل طاقته وجهده ووقته كان مُسخرا لوطنه وأبنائه. أدرك قيمة الفرص التي تنتظر إمارته الواعدة، وموقعها المميز، وعمل على اقتناص تلك المزايا، وحول التحديات التي كانت تحول دون إنجازها، إلى فرص مذهلة، ثم إلى مشاريع ناجحة.

نذكر على سبيل المثال، مشروع تعميق خور دبي باعتباره شريان الحركة الاقتصادية للإمارة، ونذكر ميناءي راشد وجبل علي، والمنطقة الحرة، تلك الفكرة الرائدة، في سبعينات القرن الماضي. ونذكر أيضاً، مشاريعه العديدة في البنية الأساسية، وشبكة الطرق، ومشاريع الإسكان في دبي والعديد من إمارات الدولة، وبناء الشعبيات السكنية، والتي اشتهرت باسمه.

على الصعيد السياسي، كان الشيخ راشد مع أخيه الشيخ زايد، طيّب الله ثراهما، قِمماً شامخة، ومشروعهما الوحدوي الذي تحقق، هو هذا الكيان الرائع الذي نستطل به اليوم، وبكل فخر، وهو النموذج الوحدوي العربي الوحيد المُشرق في المنطقة. ويذكر التاريخ أن تأسيس هذا الاتحاد كان تحدياً هائلاً، لكن عزيمة القادة المؤسسين وإرادتهم كانت أقوى. والفضل لهما ولإخوانهما الحكام، بعد الله تعالى، في بناء الدولة واستمرارها وازدهارها على النحو الذي نراه اليوم.

كان الشيخ راشد، رحمه الله، مدرسة في القيم الوطنية والإنسانية، كما كان مُلهما في فنون القيادة، وتقديس قيم العمل والعطاء، وعشق التحدي والإنجاز. ومن هذه المدرسة، تخرج خليفته الشيخ مكتوم، رحمه الله، الذي واصل مسيرة الخير والبناء. ومن هذه المدرسة الرائعة تخرج كذلك، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، صاحب الرؤية الاستثنائية، والمبادرات الوطنية والإنسانية العظيمة.

والنموذج العالمي في القيادة والريادة. ومن مدرسة راشد أيضاً، تخرج سمو الشيخ حمدان بن راشد رائد العمل الخيري والإنساني في الوطن وخارجه. خريجو مدرسة راشد، هم رواد مجلسه المبارك، وصحبه الذين رافقوه ولازموه خلال مسيرة حياته الحافلة بالإلهام والحكمة والدروس العملية في المثابرة، وبذل الجهد في سبيل بناء الإنسان والوطن، وهم بالمئات، بل بالآلاف. وقد عمل هؤلاء وبتوجيهات القائد راشد في تحقيق نهضة الوطن وسعادة أبنائه.

مدرسة راشد ورؤيته وصفاته القيادية غير التقليدية، تحتاج إلى وقفات ودراسات. ومن المؤكد أن هناك كثيراً من الدروس والتجارب التي يمكن استلهامها من فكر وسيرة هذا القائد العظيم. رحم الله الشيخ راشد وجزاه عن وطنه وأمته خير الجزاء.