قرر شاب مغامر في الهند، يدعى إيلز إيروين، كان قد سمع بأفكار بالدوينغ، المتعلقة بالاتصال بين مصر والهند، أن يجربها لمصلحته عقب متاعب مع السلطات في الهند، والتي تمنى أن يحلها في بريطانيا.

وفي عام 1777، انطلق إلى أوروبا مع بعض الأصدقاء. وبدأت مشكلاته مع تركه الهند في وقت متأخر من الموسم، أي حوالي منتصف فبراير من ذلك العام، وهو ما جلبه إلى البحر الأحمر عقب ستة أسابيع، في نهاية مارس، عندما هيمنت رياح الشمال الكاسحة طوال فصل الصيف، وكان قد علق الآمال على الإبحار إلى السويس.

ومع وجود فرصة كبيرة للمناورة، فإن هذه الرياح المعاكسة قد تبطئ المسير، ولكنها لم تكن بالضرورة مثبطة. وفي مياه البحر الأحمر الغادرة، كان الأمر مرعباً. ولكنهم وصلوا إلى مدينة المخا اليمنية من دون مشكلات كثيرة.

وكانت المخا مدينة يرتادها بانتظام التجار الأوروبيون، وكان للكثير منهم، بما في ذلك شركة الهند الشرقية، وكلاء هناك، كانوا على علاقة جيدة مع السكان المحليين، ويقدمون المساعدة للرحالة الأجانب.

وكان حاكم المدينة صديقاً جيداً للإنجليز. كما أن التجار الهنود كانوا يعتنون بإيروين. وفي منتصف أبريل، انطلق هو ورفاقه على متن السفينة «أدفنشرر».

وكانت الرياح مواتية لعدة أيام، وتمكنوا من تجاوز جدة. ومن ثم، هبت الرياح الشمالية، وفي السادس من مايو، هددتهم كل أخطار البحر الأحمر بأن تطبق عليهم. فمجال الرؤية كان محدوداً. وكانت الأمواج العاتية تحيط بهم. وكان من المستحيل رؤية ما أمامهم أو ما يحيط بهم.

وكان قاع البحر حجرياً، ولم يتمكنوا من إلقاء مرساتهم هناك. ونزل إيروين إلى باطن السفينة، وربط الأشياء الثمينة حول جسمه، وتهيأ للأسوأ. وأخيراً، بعد أن نال منهم التعب والقلق، تمكنوا من الوصول إلى مدخل مرفأ ينبع الضيق، وهو مدخل صعب. وهو يقول إنه لم تدخل أي سفينة أوروبية إلى المرفأ من قبل. وقوبل إيروين ورفاقه بالتحية من القلعة، ورحب بهم الوزير هناك بحرارة وصدق.

تم اصطحاب الزوار إلى بيت مجاور لتناول الطعام. وعلموا خلال تناوله، أنه لن تقدم لهم مساعدة إلا بعد الإذن بذلك. وانتابتهم الشكوك بسبب ذلك، وكانوا سيرجعون إلى سفينتهم، عندما لاحظوا وجود حارس على البيت. واحتجزوا هناك شهراً كاملاً، وصودرت ممتلكاتهم.

وأخيراً، أتى إذن الشريف. وعلم إيروين لاحقاً أن شركة في جدة أقنعت الشريف باتخاذ هذا القرار، وتمكنوا من المضي قدماً. ولم يكن لدى قبطان السفينة «أدفنشرر» أي نية للإبحار أكثر باتجاه الشمال.

وقرر إيروين واثنان من رفاقه وثلاثة من الخدم، الذين أرادوا الوصول إلى أوروبا، استئجار سفينة محلية، لتمضي بهم إلى السويس. وقارن إيروين بين هذه الرحلة ورحلة عوليس. وفي كل ليلة كانوا يتحركون بصحبة أسطول صغير لحمايتهم من الغارات من الشاطئ.

وأدركوا فجأة أنهم كانوا في حقيقة الأمر يتوجهون نحو الجنوب. فقد خدعهم وزير ينبع، حيث إن سفينتهم كانت تتوجه إلى مدينة القصير في مصر فقط. ولم يكن لديهم من خيار إلا النزول في التاسع من يوليو، وكانوا ممتنين للغاية لوصولهم إلى البر.

وكانت مصر في قلب الفوضى، بسبب تنافس العائلات المملوكية. ولم يكن إيروين مدركاً لهذا الواقع لدى نزوله في ميناء القصير، الميناء المصري الرئيس المطل على البحر الأحمر.

وعلى الفور تقريباً، وجد إيروين ورفاقه أنفسهم تحت رحمة الحاكم المحلي، الذي استفاد من غياب السلطة المركزية لإثراء نفسه. وأجبر إيروين على تسليم ممتلكاته. وخلال هذه الفترة، لم يكن هناك أي دليل على وجود سفن يمكن استئجارها.

وعقب مرور شهر، وصل الإنقاذ مجسداً في «شيخ العرب»، وهو أحد بكوات القاهرة البارزين، والذي يمثل جناحاً قيادياً من المماليك، ولديه من السلطة ما يكفي لحل مشكلاتهم.

وقد تأثر إيروين به. وأخيراً، في بداية سبتمبر، انطلق إلى القاهرة. ووصل ورفاقه إليها عقب ثلاثة أسابيع. واستخدموا السفينة خلال الأميال القليلة الأخيرة.

وعلى الرغم من تجربته، إلا أنه كان لا يزال يحبذ استخدام الطريق المار بمصر لنقل البريد. وتركوا القاهرة على مضض. فقد أحبوا المدينة، إلا أن إحدى السفن الفرنسية كانت راسية في الإسكندرية، تمهيداً للإبحار إلى مرسيليا. ووصلوا إلى بريطانيا بحلول نوفمبر. عقب عشرة شهور من تركهم مدراس.