حينما تستمع إلى أغاني أم كلثوم وعبدالوهاب وحليم ووردة وغيرهم من فناني الزمن الجميل، تتذكر الفن الراقي والكلمات التي تلمس العقل والقلب معاً، وأن هنالك انسجاماً بين اللحن والكلمة، وتود أن ترجع الساعات والأيام والشهور وربما السنوات إلى الخلف، هل هذا يعني عدم الرضى عن هذه الأيام، أم أنها تذكرك بالربيع حينما تنتشر الزهور والورود في كل مكان.

وربما قطرات الماء النازلة من السماء وتشكل المطر، بدر شاكر السياب وأنشودة المطر، أجل إن الماء هو الحياة أما السراب فهو جاذب وهمي للإنسان يتبعه ويهرول نحوه للتخلص من الظمأ والعطش القاتل، هكذا الفارق بين الغناء الراقي والهابط.

الفراق قاسٍ على الإنسان وحتى النبات والطيور، أليست الطيور تعود إلى موطنها بعد رحلة نحو المجهول، قد تستمر لأشهر طويلة ولكن لابد من العودة. من منا لا يطرب لتغريد البلابل، وهديل الحمام، إنها موسيقى طبيعية تريح الإنسان المتعب من هذه الحياة، وقد تعيد إليه الذكريات الجميلة حول الحب والصداقة.

كم هو ممتع الجلوس في الخيمة ونزول المطر حبة حبة بهدوء الليل، بعيداً عن منغصات الحياة الأخرى، من ساعات الدوام الطويلة من دون إنتاج، وانتظار إنسان لا يقدر قيمة الزمن أو احترام الآخرين، اعتقاداً منه أنه أعلى من الآخرين!

ما أبشع ما نشاهده في معظم شاشات التلفاز من دمار، ودماء وأطفال يغطي وجوههم الخوف والرعب والبحث عن حنان الأم التي تحميهم من كل الشرور المحيطة بهم، كم هي قاسية تلك القلوب التي لا ترتاح إلى ابتسامة الأطفال.

ماذا لو تم الاهتمام بتعليم الأطفال أساسيات العلوم الحديثة بأسلوب يحبب المادة العلمية والاهتمام بالشعر العاطفي الذي يدعو إلى المحبة والرأفة بكل البشر، إن الحياة الجميلة الهادئة هي شجرة تحميك من حرارة الشمس.

وهي ليلة يسطع فيها القمر مرسلاً ضوءه الذهبي المبشر بخلاص الإنسان من عذابات الحياة المرة، والتمتع بنسمات باردة ترفرف عليك في كل لحظة، وتتمنى أن يكون بقربك من تحب.

فالصداقة علاقة حميمة تربط البشر مع بعضهم وتظل هذه العلاقات وإن زادت المسافات بين الناس، قد يصادف أن تلتقي بإنسان لم تره من زمن طويل، وحين ذاك يجبرك عقلك وقلبك أن تستعيد تلك الأيام الجميلة سواء في المراحل الدراسية الأولى أو في الجامعة، وهي مصنع الإنسان ومرحلة الشباب من عمرك.

في هذه اللحظة نخشى كلمة الوداع، فهي تعني فيما تعنيه الألم والخوف والضياع، فهي كالضبع الذي ربما يفترس كل شيء من دون رحمة ليشبع حتى من الجيف وغيرها.

الاطلاع سواء بالقراءة أو المشاهدة أو حتى الاستماع يحد من جيوش الإحباط والألم، وهجومها عليك بعدما تهزم القوى التي تحميك منها، وهنالك العديد من البشر ممن لا يرون الأشياء الجميلة التي تحيط بهم، بل هي قريبة جداً حتى إنك لو مددت أصبعك للمستها من دون جهد يذكر.

وإذا تذكرت الفنان والمطرب الراحل عوض الدوخي وصوته الذي يذكرك بالأحياء القديمة وسكانها الطيبين، أولئك الذي يؤكدون أن الحياة ربيع دائم وأن الإنسان من دون عمل يؤديه هو جزءاً من النوم الأبدي.

أيها الإنسان احمل قلمك وفأسك وشق طريقك في الحياة، وأحرق جيوش اليأس والإحباط واجعل ضحكة الأطفال تملأ الكون من جديد.