يسعى العديد من المجتمعات في العالم إلى نشر قيم التسامح بين أفرادها، بما يؤدي إلى قبول المختلف عن الأغلبية دينياً أو لغوياً أو عرقياً، وقد حقق الكثير من الدول نجاحات جزئية، بمعنى أنه قد ينتشر في المجتمع قبول الآخر المختلف لغوياً، ولكن يظل قبول الآخر المختلف دينياً صعبا للغاية، والعكس بالعكس، ومن يطلع بدقة على أحوال الدول في مختلف بقاع الأرض، يجد أن هذا التسامح الجزئي هو النمط السائد الذي يسعى العديد من الدول إلى الوصول إليه.

التعايش الإيجابي

أما الإمارات، فإن مفهوم التسامح فيها تجاوز هذا المعنى كثيراً، ليقدم نموذجاً للتعايش الإيجابي والإخاء الإنساني بين جميع أعراق الأرض وأديانها ولغاتها، ومذاهبها وطرائق عيشها، فقد أصبحت الإمارات مختبراً للتجربة البشرية، يثبت للجميع أن تعايش جميع بني البشر معاً أمر ممكن، بل هو موجود فعلاً ومطبق في أرض الواقع، والسر في ذلك ثلاثة أسباب: أولاً، وجود قيادة رشيدة تؤمن بمبادئ دينها النبيلة والإنسانية، وتطبقها بكل قوة وحزم، وثانياً، وجود نموذج ناجح لحكم القانون لا ينحاز لأحد على حساب أحد، ولا يجامل الكبير والغني وصاحب المكانة على حساب الفقير والضعيف، فالجميع أمام القانون سواء، وثالثاً، وجود نمط حياة يحقق الحاجات الأساسية للجميع، ويحافظ على كرامة الإنسان، ويحقق السعادة للفرد والأسرة.

نهج زايد

سيذكر التاريخ أن الشيخ زايد، طيب الله ثراه، هو من أسس لهذه الثقافة، ووضع نصب عينيه ترسيخها في القانون والمؤسسات والممارسة، وظل حريصاً على تعليم شعبه قيم التسامح والتعايش، وضرب المثل لهم، وهكذا كان الآباء والقادة المؤسسون لهذه الدولة، جميعهم ساروا على نهج الشيخ زايد، رحمه الله، فكان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حاملاً للرسالة، ومطبقاً للوصية، ومحافظاً على تراث الوالد المؤسس، ومعه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد أكدوا جميعاً الثبات على هذا المبدأ، وعملوا، حفظهم الله، على المحافظة على إرث زايد، والتوسع في تطبيقه، والاستجابة لكل تحديات العصر، طبقاً لتراث زايد، رحمه الله.

وفي الآونة الأخيرة، ظهر واضحاً أن تحديات خطاب الكراهية والتحريض الطائفي والمذهبي في المنطقة هائلة، وأنها تستغل انسيابية المعلومات وثورة الاتصالات، وتخترق الحدود، ولذلك فإن أبناء الوطن قد يتأثرون بهذا النوع من الخطاب، لذا فزعت قيادة الإمارات لتؤكد ضرورة حماية النسيج الاجتماعي والتعايش الفريد في الإمارات من أي عبث، واتخذت خطوات استباقية في هذا السياق، وحيث إن القيادة الإماراتية تدرك أن سر نجاح النموذج الإماراتي في جميع المجالات هو حكم القانون، فقد بادرت القيادة إلى سن تشريعات تحد من خطاب الكراهية والتحريض، فأصدر رئيس الدولة قانوناً يجرم خطاب الكراهية، ويعاقب بأشد العقوبات كل من يستخدم خطاباً للكراهية أو يحرض ضد المخالفين له في الدين أو العرق أو اللون، وبذلك كانت الإمارات سبّاقة في إصدار قانــون لتجريــم خطاب الكراهية والتحريــض.

وزارة التسامح

ثم توالت المبادرات التي تشجع على نشر قيم التعايش والاندماج بين المواطنين والمقيمين من مختلف الجنسيات، وكان أهم تلك المبادرات الفريدة غير المسبوقة في العالم مبادرة تأسيس وزارة للتسامح في دولة الإمارات، تكون مهمتها العمل على ترسيخ قيم التعايش والتناغم بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والعرقية واللغوية، وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في رسالته، حيث جعل الغاية القصوى تحصين فكر المواطن الإماراتي من فيروسات الكراهية بمختلف أنواعها ودوافعها، وذلك من خلال إصلاحات حقيقية في المنظومة التعليمية والخطاب الديني وتنقيته من شوائب التشدد والانغلاق، وتحولت هذه الدعوة إلى مبادرات ونشاطات في المدارس والجامعات والمراكز الثقافية وجميع الوزارات والإدارات الاتحادية والمحلية، جميعها ينشر قيم التسامح، ويرسخ سلوكيات التسامح، ويدعو جميع المواطنين والمقيمين إلى الالتزام بتلك القيم لتحقيق الأمن والرفاهيــة والسعــادة للجميـع.

لقد نجحت دولة الإمارات في تجاوز مفهوم التسامح، وقدمت نموذج التعايش الفعال والبنّاء الذي يحقق مصلحة الجميع، فيحافظ عليه الجميع، لأن فيه مصلحتهم ومستقبل أولادهم، هكذا تبنى الأمم، وهكذا تكون صناعة المستقبل، مستقبل يحقق الأمن والسعادة لجميع بني البشر.