(١)

من الماء بدأت الحكاية، وفي الماء انتهت آخر فصولها.

الطاغية فرعون رأى في منامه رؤيا مرعبة، فسّرت له: بأن صبياً سيولد، سيكون ذهاب ملكه على يديه، وكان موسى عليه السلام، الذي وضعته أمه في تابوت، ورمته في اليم خوفاً عليه من الفرعون، الذي أصدر أوامره بإحصاء النساء الحوامل، وقتل كل طفل يولد، وفي الماء- في نهاية القصة- ينشق البحر ليبتلع الطاغية وجنوده.

الحذر لم ينفع فرعون، وقتله لبقية الأطفال لم يمنع نجاة الطفل، الذي سيهدم ملكه، بل إن قدر الله جعل الأمواج ترسله إلى أطراف قصره ليعيش الطفل الضعيف، الذي لا حول له ولا قوة في مقر الحُكم.

(2)
كان موسى عليه السلام نموذجاً للمصلح والثائر على الطغيان والاستبداد: هل هنالك نموذج أرقى وأنبل من نبي؟ أما الفرعون فقد أصبح اسمه ولقبه نموذجاً ورمزاً لكل الطغاة والمستبدين.

(3)
سقط الطاغية وجنده.
تفرّق السحرة.
تمزقت أعلامه وإعلامه.
وكلمات الفصحاء حوله هزمتها كلمات نبي يتلعثم!
انتصرت دعوة موسى عليه السلام وكلماته، أما الفرعون الطاغية المستبد فقد ظلت جثته السليمة إلى هذا اليوم تنقل من متحف إلى متحف، لأن الخالق سبحانه قال: ‏﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ ورغم وجود هذه الآية فلا يزال التاريخ البشري كل فترة ينتج المستبدين والطغاة ويصنع الآلهة الهشة.
وانظروا إلى المفارقة المدهشة والتكريم الإلهي:
هذا النبي، الذي يتلعثم في كلامه (ويشكو من عقدة في لسانه) يختاره الله سبحانه ليكون: كليم الله!

(4)
أغرب ما في حكاية الطاغية فرعون ونبي الله موسى:
أن الطاغية رأى البحر ينفلق إلى نصفين، ليعبره نبي الله وأتباعه، ومع هذا يُصر الطاغية على أن يستمر في المطاردة!
يرى المعجزة تحدث أمامه، ولم تقلل من جبروته وطغيانه وإصراره على المطاردة.
ألم يفكر، ولو للحظة: أن الذي فلق البحر لموسى سيجعله يرتد عليه وعلى جنوده؟!
ما الذي يفعله الاستبداد والطغيان بالمستبدين والطغاة:
هل يصابون بالعمى؟!
هل يفقدون السمع ؟!
ألا يسمعون ويرون ما يحدث حولهم ؟
لماذا- وعلى مدى التاريخ واختلاف الحكايات- يكررون الأخطاء نفسها؟!

(5)
ستجد أمام كل موسى: فرعون،
لكنك لن ترى أمام كل فرعون: موسى!