يبدو أن الأميركيين متعبون للغاية من السياسة حالياً، بحيث إن وقع عبارة مثل «دعونا نتخلص من المجمع الانتخابي»، كفيلة بالكاد أن تغرس الدبابيس في أعينهم.
رجاء، لا تسيئوا لأنفسكم، فإيذاء العين مجرد نوع من الدراما، لا أكثر. وبالتالي ماذا لو ذهبنا لتخيل نسخة من المستقبل الأميركي، دون المجمع الانتخابي لنجعل الأمور أكثر حيوية فقط.
لقد التقى الرئيس باراك أوباما والرئيس المنتخب دونالد ترامب في البيت الأبيض ودارت بينهما محادثات ودية طويلة، تبادلا فيها الابتسامات، مع ذكر أمور جيدة عن بعضهما بعضاً، ولكن ما هو الأمر الخيالي في ذلك على أي حال؟
عذري هو أن ذلك قد كان فصلاً سياسياً طويلاً تعرضت فيه أعصاب الشعب للإنهاك، ليأتي الأميركيون الآن للتحدث، مجدداً، عن التخلص من المجمع الانتخابي.
لا يجاهر الناس بآرائهم فيما يتعلق بهذا الموضوع، ولكنهم يتحدثون عن الأمر، بشكل منطقي، وبشكل مدروس، وبمنتهى التهذيب.
لقد حدث الأمر ذاته في الانتخابات الرئاسية، لا سيما عندما فاز ترامب هذه المرة بالأصوات الانتخابية، ولكنه خسر في التصويت الشعبي، وذلك أمام 200 ألف صوت لهيلاري كلينتون.
لقد حصدت الأخيرة أصواتاً أكثر، ولكن ترامب فاز بعدد أكبر من الولايات، ما يعني أيضاً فوزه بالأصوات الانتخابية من تلك الولايات، ومن هنا، هل هذا الأمر منصف في الحقيقة؟ أو هل يعد خدعة من وثيقة مختفية، بشكل يسمح للنخب بفرض إرادتها بالقوة بيننا، مرة تلو المرة؟
بالنظر إلى خسارة كلينتون لتصويت المجمع الانتخابي والفوز بالصوت الشعبي، وذلك كما حدث مع زميلها الديمقراطي ألبرت آل غور قبل بضع سنوات فقط، يقدم الكثير من الأميركيين أسباباً كثيرة تحتم علينا رمي المجمع الانتخابي في سلة النفايات، والسماح بأن يسود التصويت الشعبي.
قال لي أحد الأصدقاء: «الأمر عبارة عن مسألة عدالة وحسب، إذ يتم احتساب كل صوت، والمرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات يفوز. ما العيب في ذلك؟ ويسمى ذلك ديمقراطية».
نشر صديقي تغريدات في عام 2012 قال فيها: «المجمع الانتخابي عبارة عن كارثة بالنسبة للديمقراطية»، وبطبيعة الحال لم يغرد ترامب عن أحلامه المناهضة للمجمع الانتخابي، وذلك عندما فاز في الانتخابات الرئاسية ضد كلينتون. ومع ذلك فإن الناس، من ذوي التفكير العميق، ممن صوتوا لصالح هيلاري يتخذون تلك المسألة وينجزونها بشكل جيد.
كتب قارئ من مدينة نابرفيل بولاية إلينوي: «أعتقد أن الأمر مهمل. إذ لماذا تُحرم مجموعة كبيرة من الناس من حقها في التصويت، من خلال عدم احتساب أصواتهم؟ تتمثل أولويتي وحسب، في احتساب التصويت الشعبي. ما رأيكم؟».
شيء جميل ولكن عندما يسألني الناس «ماذا تعتقد؟» أميل لأن أقول لهم رأيي، وغالباً ما يثير ذلك استياءهم.
هناك ميزة في فكرة التصويت الشهير للرئاسة. بالتأكيد سيكون الإجراء على درجة من الكفاءة، وسريعاً، لا سيما في ظل تقنياتنا المتقدمة. وتكمن المشكلة في بعض الأمور التي أقول عنها إنها غير فاعلة وبطيئة. نعم أشعر بالغربة على هذا النحو.
لست من المعجبين بالتصويت المبكر. فقد وجدت أنه في حال كان الاقتراع مهماً بالنسبة لك، فإنك ستستيقظ في يوم الانتخابات وستصوت لشخص ما.
ومع ذلك، في حال تخلصنا من المجمع الانتخابي فإن علينا التفكير في شكل الأمور المقبلة. فبعد فترة وجيزة، من الممكن أن يصبح لدينا استفتاءات وطنية فورية على كل القضايا المهمة تقريباً. وبالاعتماد على المزاج الأميركي، سيصبح بإمكاننا التأرجح سريعاً، بطريقة أو بأخرى، وفي هذا الاتجاه ومن ثم في الاتجاه السابق.
لن نحتاج إلى مجلس نواب أو مجلس شيوخ. فالتشريعات تستغرق وقتاً طويلاً. ويمكن للرئيس تعيين حكام بيروقراطيين يمكنهم التحرك بوتيرة سريعة للغاية. ولن يعول على الولايات كثيراً، بل ستختفي، تقريباً، على نحو الفكرة القائلة إن الناس في كنتاكي يرون الأشياء بمنظور مختلف عن سكان نيويورك.
قد تصبح تكاليف السواحل المأهولة بالسكان باهظة الثمن. وفي حال تحمست كاليفورنيا، وأرادت الحصول على مياه البحيرات العظمى، فسنحظى باقتراع وطني سريع للتصويت على ذلك. وبومضة عين، سيتم إيجاد خط أنابيب لتصريف المياه من البحيرات.
سيكون لدينا ديمقراطية حقيقية من أجل التغيير، وستحكم الغالبية. تدعى تلك التجربة القديمة «جمهورية»، صممت لتكون غير فعالة وبطيئة، لحماية وجه نظر الأقلية؟
ولكن من يريد ذلك بأي حال من الأحوال؟