حان الوقت لتأسيس حزب ديمقراطي جديد، فقد أصبح الحزب الديمقراطي القديم أداة عملاقة لجمع التبرعات، وهو ما يعكس، غالبا، أهداف وقيم مصالح الأثرياء.
لقد تم الاستيلاء على الحزب الديمقراطي من قبل مجموعات مقرها واشنطن، تتألف من محللين ومستطلعي آراء، ممن ركزوا على إيجاد حملة لجمع الأموال من المدراء التنفيذيين للشركات، ومن وول ستريت، والحصول على الأصوات من العائلات المنحدرة من الطبقة المتوسطة العليا التي تقطن الضواحي المتأرجحة.
لقد تبرأت انتخابات عام 2016 من الحزب الديمقراطي القديم. ويجب أن لا ينظر لما حدث في يوم الانتخابات باعتباره فوزاً للكراهية على اللطف أو المجاملة. بل من الأصح فهم المسألة، على نحو أدق، بأنها رفض لهرم السلطة الأميركي.
في بداية الدورة الانتخابية لعام 2016، أعلن هرم السلطة أن هيلاري كلينتون وجيب بوش هما المرشحان الأوفر حظاً للفوز بترشيحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وقد حظي الاثنان بقواعد عميقة من الجهات الممولة، وشبكات راسخة من المطلعين السياسيين، وخبراء سياسيين من ذوي الخبرة، مع اهتمام خاص من كل شخصية سياسية.
إلا أن الأمر الغريب حدث في الطريق للبيت الأبيض. فقد فاز دونالد ترامب بالرئاسة، وهو شخص لم يتول يوماً منصباً انتخابياً، كما لم تكن له أي علاقة بالحزب الجمهوري. في حين فازت هيلاري كلينتون، بشق الأنفس، بالتصويت الشعبي، ولكنها لم تفز بعدد كافٍ من الولايات وناخبيها لضمان الفوز. لتصبح هزيمة كلينتون لافتة للنظر أكثر من أي شيء آخر، ذلك أن حملتها الانتخابية قد أنفقت، بشكل أكبر، على إعلانات التلفاز والراديو، وجهود الحث على التصويت، مقارنة بما أنفقته حملة ترامب.
زد على ذلك، تلقي حملتها الدعم في الانتخابات العامة، ليس من قبل زعماء الحزب الديمقراطي، بل أيضا من العديد من القياديين الجمهوريين، بمن فيهم معظم نشطاء وول ستريت، وكبار المسؤولين التنفيذيين في كبرى الشركات الأميركية. ناهيك عن الإشراف على فريق حملتها من قبل مهنيين متمرسين.
كان لدى هيلاري كلينتون دعم قوي وواضح من الرئيس باراك أوباما الذي تزايدت شعبيته خلال الأشهر الأخيرة، كما حدث تماما مع زوجته الشهيرة. وبالطبع حظيت كلينتون بدعم زوجها بيل. أما ترامب، وعلى النقيض، نبذه هرم السلطة، وعمل ميت رومني، المرشح الجمهوري للرئاسة لعام 2012، بكل نشاط، ضد ترشيح ترامب. كما رفض الكثير من كبار الجمهوريين تأييده أو حتى منحه الدعم.
ولم تجمع اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري الأموال من أجل ترامب، كما فعلت من أجل المرشحين الجمهوريين الآخرين للرئاسة. لذلك ما الذي حدث؟
كانت هناك تلميحات بزلزال سياسي مقبل. ولكن، بعد كل شيء، دونالد ترامب هو الشخص الذي حصد الفوز في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين. لكن بشكل ينم عن الكثير، جرى تحدي كلينتون خلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية من خلال مرشحين غير محتملين، مثل عضو يهودي بمجلس الشيوخ من فيرمونت، كان قد وصف نفسه بالاشتراكي الديمقراطي، ولم يكن من الحزب الديمقراطي حتى.
لقد فاز بيرني ساندرز في نحو 22 ولاية، و43% من الأصوات في تلك الانتخابات التمهيدية. وتمثل موضوع ساندرز الرئيسي في أنه قد تم التلاعب بنظامي البلاد، السياسي والاقتصادي، لصالح الشركات الكبرى، وول ستريت، والأثرياء.
لقد أسقط هيكل السلطة الأميركي ساندرز باعتباره تياراً منحرفا، وحتى وقت ليس ببعيد، كشخص لم يأخذ ترامب على محل الجد.
قال مصدر سياسي مطلع إن معظم الأميركيين مرتاحون للوضع الراهن، قائلاً: "الاقتصاد في حالة جيدة، كما أن معظم الأميركيين أفضل حالاً مقارنة بسنوات سابقة".
يعتبر ذلك الكلام خاطئاً، فقد تكون مؤشرات الاقتصاد مرتفعة، لكنها لا تعكس حالة عدم الأمان التي لايزال معظم الأميركيين يشعرون بها، ولا التعسف والظلم الواضح الذي يختبرونه.
كما لا تظهر المؤشرات الرئيسية الصلات التي يراها معظم الأميركيين بين الثروة والسلطة، ولا المؤشرات الراكدة ولا انخفاض الأجر الحقيقي، وارتفاع أجر المديرين التنفيذيين، وتقويض الديمقراطية عبر الأموال الهائلة.
متوسط دخل الأسرة أقل الآن مقارنة بما كان الحال عليه قبل 16 عاماً، والذي تم تعديله بسبب التضخم المادي. والعاملون من دون شهادات جامعية، الممثلون بالطبقة العاملة القديمة، تراجعوا لأبعد من ذلك.
لقد وصلت معظم المكاسب الاقتصادية حالياً للقمة، وترجمت تلك المكاسب لسلطة سياسية لاستقاء خطط لإنقاذ البنوك، والدعم للشركات، والثغرات الضريبية الخاصة، والصفقات التجارية، ولزيادة قوة السوق من دون تدخل المكلفين بإنفاذ مكافحة الاحتكار، وكل تلك العوامل أدت لتقليص الأجور وسحب ما يصل من أرباح.
تتناسب كل من الثروة والقوة والمحسوبية الرأسمالية معاً. وإن الأميركيين على علم بحدوث استيلاء معين، وهم يلقون باللوم بالنسبة إلى ذلك على عاتق المؤسسة.
هرم السلطة مثير للصدمة بسبب نتائج انتخابات عام 2016 التي نأت بنفسها عن حياة معظم الأميركيين.
إننا بأمس الحاجة، حالياً، لحزب ديمقراطي جديد سيساعد الأميركيين على مقاومة ما يوشك على الحدوث، وإعادة بناء مستقبلنا.