ليس دونالد ترامب رجل أعمال عادياً. إنه ثري عرف كيف يدير مشاريع متنوعة ويطورها من يوم لآخر، وحين قرر أن يعمل في السياسة، عرف كيف يصير رئيس أقوى دولة في العالم، مع أنه كان إلى ما قبل انتخابه شخصا غريبا عن الدائرة التي يحق لها ترشيح نفسها للرئاسة.
لذلك، واجه مقاومة ضارية من معظم قادة حزبه الجمهوري، الذين اعلنوا انهم لن يصوتوا له او سيصوتون لخصمه الديمقراطية هيلاري كلينتون، ناهيك عن الحزب الديمقراطي، ووسائل الإعلام، ومراكز الأبحاث والجامعات، والنخب الأميركية المثقفة والمتعلمة.
هل حقا باغت ترامب العالم ونجح ضد جميع التوقعات، واذا كان الامر كذلك، كيف نجح وبأية طرائق تمكن من كسر ارادة مؤسسة سياسية راسخة الجذور، لطالما قيل إن دورها حاسم في تسويق من تختاره رئيسا لأميركا، رغم ما يقال عن الحرية والصوت الانتخابي الحر والنظام الديمقراطي ؟.
وهل انتخاب ترامب هو ذلك الحدث الخارق، الذي لا يفسر بالواقع السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة، ويكتنفه غموض ليس من اليسير هتك اسراره ومعرفة مضمراته؟.
مهما كانت التفسيرات التي سيتابعها العالم من الآن فصاعدا، ليس من الجائز تجاهل تفسير يتصل بتاريخ ترامب كرجل اعمال يجهل كل شيء عن السياسة ويفتقر إلى الخبرة في اي ملف من ملفاتها البالغة التعقيد، سواء تعلق الأمر بالأميركية منها ام بالأجنبية. يقول التفسير المستند إلى شخصية الرئيس العتيد إن القصد من اختياره هو تسديد الدين الخارجي الخطير لبلاده، الذي يناهز الستة عشر تريليون دولار.
على أن لا يتم ذلك من خلال تنمية موارد اميركا لكونها مستنزفة أصلا، بل عبر ابتزاز الدول والبلدان الغنية، التي قال مرات عديدة إنها لا بد ان تدفع مبالغ اكبر بكثير مقابل ما تقدمه واشنطن لها من خدمات امنية، بدءا بدول حلف الأطلسي، التي لن تقبل رئاسته أن تستمر بلاده في الدفع نيابة عنها.
وعليها ان تمد يدها بعمق إلى جيوبها، مروراً بدول الخليج، التي ستمول سياساته في العراق والمنطقة وبرامجه تجاه إيران، وحربه ضد الإرهاب الداعشي، وصولاً إلى اليابان وكوريا الجنوبية، اللتين تنفق الاولى منهما اقل من ٣٪ من دخلها القومي على الدفاع.
ولا تشترى كميات كافية من الاسلحة الأميركية، وتتمتع لهذا السبب بفوائض مالية وفيرة تنفقها على تنمية اقتصادها المنافس لاقتصاد واشنطن، فلا مفر من ان ترسل قسما من فوائضها إلى الخزانة الاميركية، مقابل مرابطة عسكر اليانكي في جزرها، بينما تتمتع الثانية بدعم أميركي كثيف يمثله بالرجال والعتاد، دون ان تدفع بالمقابل ما عليها دفعه بالفعل من مبالغ مالية ستكون كبيرة حتما.
هذه النزعة الترامبية إلى تسديد ديون أميركا بأموال الآخرين، هي اختصاصه كرجل اعمال، والقسم الاهم في برنامجه الاقتصادي، الذي لا يكاد يتضمن شيئا غيرها، فلا عجب ان قال خبير اقتصادي صديق تابع سيرته: إن المسوغ الوحيد لانتخابه هو قيامه بتأدية هذه المهمة.
لذلك على الدول الحليفة لواشنطن اغلاق جيوبها من انتخابه فصاعدا، لأن يده ستمتد إليها لتستولي على جزء كبير مما فيها، بعد ان بلغت ديون اميركا الخارجية حدودا يستحيل زيادتها او تسديدها، وصار من الضروري لجؤوها إلى ما لدى الآخرين من ثروات نقدية، على أن لا تحصل أميركا عليها كبلد مدين، بل كبلد دائن لأصحابها، وبالتالي كديون لأميركا كانت مؤجلة الدفع، ولا بد ان تؤديها لترامب تلك الدول، التي ذكرها مرارا في خطبه الانتخابية وتعهداته الاستثمارية والمالية.
هل سيدخل العالم مع رئاسة ترامب في حقبة جديدة وغير مألوفة من النهب والابتزاز المالي، سيمول خلالها موازنات العم سام ويسدد ديونه، ويشتري حصتها من امنه بمبالغ يحددها هو، لن يتساهل في تحصيلها من الذين ذكرهم ترامب بالاسم، واعتبرهم مدينين لبلاده عليهم تسديد ديونهم، ان كانوا لا يريدون دفع ثمن غال جدا من امنهم، ومن وجود دولهم؟.
طبيعي ان ترامب هو الذي سيحدد حجم الديون، وسيتولى تحصيلها بالطرق التي جعلت منه متربحاً لا يشق له غبار، بنى إمبراطوريته على حساب فقراء أميركا، ويريد من الآن فصاعدا بناء امبراطورية أميركا على حساب فقراء العالم.
آيها الناس: أغلقوا جيوبكم، وأبقوها محكمة الإغلاق، وإلا خسرتم كل ما فيها !.