انكشف الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يطرح نفسه باعتباره «حزب الوحدة» فإذا به مجموعة من عناصر التقسيم القائمة على التلاعب. والواجهة التي يطل بها الديمقراطيون على الناخبين الأميركيين تتداعى.
وأطلق موقع ويكيليكس أكثر من 19 ألف بريد إلكتروني داخلي، من مسؤولي اللجنة الديمقراطية القومية، مدعياً أن التسريب الهائل ما هو إلا الجزء الأول من سلسلة «تسريبات هيلاري».
وتكشف الرسائل الإلكترونية للجنة عن محاباتها لهيلاري كلينتون، التي تم اختيارها رسمياً مرشحة للحزب الديمقراطي على حساب منافسها الديمقراطي المهزوم، بيرني ساندرز. واستقالت رئيس اللجنة ديبي واشرمان شولتز خلال انعقاد المؤتمر القومي للحزب.
ولكن كيف تسربت الوثائق؟ مكتب التحقيقات الفيدرالي سيجري بلا شك تحقيقاً شاملاً خالياً من أي تحيز سياسي. تماماً كما برأ كلينتون من ارتكاب خطأ بعد العثور على 110 رسائل إلكترونية تتضمن مواد سرية على خادم كمبيوترها الشخصي المعرض للاختراق.
وعقب البحث في الرسائل الإلكترونية الخاصة بالمؤتمر القومي للحزب الديمقراطي يصبح من الواضح لماذا يشعر الحزب بالانزعاج. والوثائق لا تقوض الديمقراطية نفسها، كما يدعي مؤيدو ساندرز، وإنما تقوض بالأحرى وهم الديمقراطية الذي يبيعه الحزب الديمقراطي للرأي العام الأميركي ولبقية العالم.
وعلى مستوى الحزب، تقدم الرسائل الإلكترونية لمحة وراء الستار عن تنظيم يسعى إلى أن يعبر عن الأمل والحب والوحدة والديمقراطية والتقدم، وتكشف عوضاً عن ذلك عن جهد متعمد لبث الانقسام ولحماية الوضع القائم للمؤسسة. هناك أيضاً ضرر على المستوى العالمي.
وعندما تكشف الوثائق الداخلية عن محاولات الحزب الديمقراطي للتقليل من شأن أحد المرشحين فيما يفترض أنه عملية ديمقراطية وعادلة، فإنها تطيح بالسلطة الأخلاقية التي يجب على قادة أميركا انتقاد دول أخرى بسبب كونها «دولاً غير ديمقراطية».
وبعد هزيمة كلينتون في الانتخابات، هل ستلقي محاضرات على الدول الأخرى عن أهمية الصحافة الحرة والمستقلة؟ قد يبدو ذلك نفاقاً كبيراً على ضوء بعض ما كشف عنه من التسريبات من اللجنة القومية الديمقراطية.
وعقب أن دعت ميكا بريجنسكي، المذيعة المشاركة في برنامج الحوار السياسي على قناة «إم إس إن بي سي» «صباح الخير يا جو» دعت لاسرمان شولتز إلى الاستقالة بسبب سوء معالجتها للانتخابات التمهيدية الديمقراطية ومعاملة اللجنة الديمقراطية القومية المنحازة لكلينتون، كتبت لاسرمان شولتز رسالة إلكترونية إلى المسؤول السياسي إلى تشاك تود المدير السياسي لشبكة «إن بي سي نيوز» جعلت عنوانها «هذا ينبغي أن يتوقف يا تشاك».
وكتب مدير الاتصالات في اللجنة لويس ميراندا، معرباً عن استيائه من مذيع برنامج «صباح الخير يا جو»، جو سكاربورو في رسالة إلى السكرتير الصحافي للجنة مارك بوستنباتش، يقول: «(لمجرد ملء الفراغ فقط) إن جو يدعي أن النظام مزور، وأن الحزب ضد (ساندرز)، ونحن بحاجة إلى الشكوى من تصرف مذيعهم».
كيف أمكن لكلينتون أن تلقي محاضرات على دول أخرى عن أهمية الانتخابات الديمقراطية الشفافة عقب أن سخرت اللجنة القومية من خصمها الديمقراطي؟
وفي إحدى الرسائل الإلكترونية، ردت ديبي شولتز، التي اعتمدتها كلينتون «رئيساً فخرياً» لحملتها، بالنفي على رسالة إلكترونية تنقل عن ساندرز رغبته «بالبقاء» في السباق إلى كاليفورنيا. وكتبت تقول: «إنه تحدث مثل شخص لم يكن يوماً ما عضواً في الحزب الديمقراطي ولا يفهم ما الذي نفعله».
وكشف التسريب أيضاً أن بوستنباخ أرسل رسالة إلكترونية إلى زميلته في لجنة الاتصالات بالحزب الديمقراطي ميراندا حول إمكانية محاولة عرقلة حملة ساندرز «أتساءل عما إذا كان هناك سياق لبيرني ساندرز بصدد تقرير يفيد أنه لم يجمع شتات تحركه معاً، وأن حملته كانت فوضوية».
وافترض ساندرز ومؤيدوه بسذاجة أن مرشحهم قد يتلقى معاملة عادلة من المسؤولين عن الإشراف على العملية في الحزب الديمقراطي. وقد تفترض غالبية الأميركيين أن هذا أمر صحيح تجاه أي مرشح، بغض النظر عن أي انتماء حزبي.
أكبر الضحايا في هذه الفضيحة هم الأميركيون المثاليون، الذين دعموا ساندرز واعتقدوا أن النظام قد يكون عادلاً بالنسبة إلى مرشحهم. وتعرضوا للخيانة من قبل كل الأطراف. وبقى ساندرز خلف كلينتون حتى النهاية، وتحدث، داعماً لها في مؤتمر الحزب. وكان ذلك معادلاً لظهور تشي غيفارا وهو يرتدي زي رجال الأعمال ويتولى وظيفة جديدة في غولدمان ساكس.
سعى مؤيدو ساندرز بعد فوز ترامب إلى ثورة ضد المؤسسة. يوضح تسريب اللجنة الديمقراطية القومية أنهم على حق فيما يتعلق في أن النظام مزور نزولاً إلى مستوى حزبهم. وهناك مرشح واحد فقط لهم الآن. ومن المؤكد أنه ليس هيلاري كلينتون.