تعتمد الديمقراطية على صحافة حرة ومستقلة، ويفسر هذا سبب محاولة كل الطغاة سحقها. فيستخدمون لذلك سبع تقنيات مثيرة للقلق، يطبقها بالفعل الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
أول تقنية، هي توبيخ وسائل الإعلام. فقد دعا ترامب أكثر من عشرين مذيع أخبار ومديراً تنفيذياً للطابق الخامس والعشرين من برج ترامب، وبحث معهم تقاريرهم الخاصة عنه خلال الانتخابات.
ولنحو عشرين دقيقة، ظل يتحدث عما أسماه التغطية «الفاشلة» و«غير الشرعية». وبحسب الحضور، ظل ترامب يقول: «نحن في غرفة مليئة بالأكاذيب، وأصبحت وسائل الإعلام غير المفيدة مليئة بالأكاذيب». كما قال عن «سي إن إن»، إنها «شبكة للأكاذيب». واتهم قناة «إن بي سي» باستخدام صور غير ملائمة، مطالباً بمعرفة السبب في عدم استخدام صور «أجمل».
أما التقنية الثانية، فتتمثل بإيجاد قائمة سوداء خاصة بوسائل الإعلام الناقدة. فخلال الحملة الانتخابية، قال ترامب إنه لا يوافق على تغطية وسائل الإعلام الموجودة في تلك القائمة. وفي شهر يونيو الماضي، سحبت أوراق اعتماد مبعوث «واشنطن بوست»، «استناداً إلى التغطية غير الدقيقة لسجل حملة ترامب. قائلاً إننا هنا نلغي الاعتماد الصحافي الزائف وغير الشرعي للصحيفة»، وذلك على صفحته في موقع «فيسبوك».
التقنية الثالثة ضد الصحافة، هي تحويل الرأي العام ضد الإعلام. إذ يقول ترامب عن الصحافيين، إنهم «يكذبون» و«مثيرون للاشمئزاز» و«حثالة». كما صرح بـ «أكره بعض أولئك الأشخاص»، مضيفاً: «ربما رداً على مزاعم معاملة فلادمير بوتين للصحافيين المعارضين».
ويتذرع ترامب دوماً بانحياز الصحافة، ويزعم، على سبيل المثال، أن صحيفة «واشنطن بوست»، قد نشرت أموراً سلبية عنه، بسبب أحد ناشريها، وهو جيفري بيزوس، مؤسس موقع «أمازون».
وعندما كتبت نيويورك تايمز أن فريقه الانتقالي واقع في حالة من الفوضى، غرد ترامب قائلاً «إن الصحيفة كانت منزعجة لأنها بدت كالغبية في تغطيتها له».
وتكمن التقنية الرابعة لسحق الصحافة في إدانة التعليقات الساخرة أو الحرجة، حيث يواصل ترامب إدانة التغطية التي يتلقاها من محطة «إن بي سي»، عبر برنامج «ساترداي نايت لايف». ففي رده على ألكس بالدوين، أخيراً، الذي صوره كشخص مغمور باحتمالية أن يصبح رئيساً، غرد ترامب على «تويتر» بأن ذلك كان «برنامجاً أحادياً، ومنحازاً للغاية، لا يقدم أي شيء مضحك على الإطلاق».
تتمثل التقنية الخامسة بتهديد الإعلام على نحو مباشر. وقال ترامب إنه يخطط لتغيير قوانين التشهير في البلاد، بحيث أصبح لديه وقت أكثر لإطلاق دعاوى قضائية ضد وكالات الأنباء. قائلاً: «ومن بين أحد الأمور التي سأفعلها لدى تقلدي زمام السلطة، أني سأطلق العنان لقوانين القذف والتشهير، بحيث يصبح الأمر، أنه عندما يكتب الصحافيون مقالات سلبية ورهيبة وكئيبة، يصبح بإمكاننا مقاضاتهم وكسب تعويضات هائلة».
وخلال الحملة، هدد ترامب على وجه الخصوص، بمقاضاة صحيفة «تايمز» بالتشهير، كرد فعل على مقال تضمن امرأتين تتهمانه بالتحرش على نحو غير لائق خلال السنوات الماضية. وقال ترامب إن الادعاءات كاذبة، وطالب محاميه بأن تتراجع الصحيفة عن القصة، وتصدر اعتذاراً. كما هدد باتخاذ إجراء قانوني عقب نشر صحيفة «تايمز» وكتابتها عن جزء من الإقرار الضريبي الخاص به لعام 1995.
تتبدى التقنية السادسة في الحد من قدرة الوصول لدى الإعلام. لم يعقد ترامب مؤتمراً للأخبار منذ شهر يوليو الماضي. ومنع الإعلام من السفر معه، وأيضاً معرفة الشخصيات التي سيلتقيها. وجاء ذكر اتصاله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب الانتخابات بوقت قصير، للمرة الأولى من قبل الكرملين.
تتمثل التقنية السابعة، في تجاهل وسائل الإعلام مع التواصل مع الجمهور مباشرة. إذ يعرف الشعب الأميركي عما يفكر به ترامب، من خلال تغريداته المنشورة على «تويتر». وبعد وقت قصير من الانتخابات، أطلق ترامب أيضاً رسالة فيديو، حدد فيها بعض الإجراءات التنفيذية التي يعتزم اتخاذها في أول يوم له في المنصب.
وقال معاونو ترامب، إنه قد أعرب عن رغبته بمواصلة عقد التحالفات الكبيرة التي أصبحت العنصر الرئيس في ترشيحه. وقالوا إنه يحب الإرضاء الفوري والتملق الذي يأتي من الحشود المبتهجة.
تأتي كلمة «إعلام» من «التداخل» بين صناع الأخبار والجمهور. ويتسلم الإعلام المسؤول، المساءلة القوية من خلال سؤالهم أسئلة صعبة، مع الإبلاغ عن أفعالهم. ويبدو أن ترامب يريد القضاء على أولئك الوسطاء.
ومن الناحية التاريخية، استخدمت التقنيات السبع على يد الساسة الغوغائيين لتقويض حرية واستقلالية الصحافيين. وحتى قبل أن يؤدي اليمين الدستورية، يبدو أن ترامب عازم على فعل ذلك بالضبط.