لم يتجاهل الغرب، الأعمال التي خلفها الرحالة المسلمون وراءهم، مثل غابرييل فران، الذي أنجز في أوائل القرن العشرين دراسة مطولة للصور التي قدمها الرحالة المسلمون عن الشرق الأقصى بين القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين. وتحتوي هذه الدراسة على 40 نصاً، 33 منها مكتوبة باللغة العربية، و5 باللغة الفارسية، والعديد باللغة التركية.

ومن بين أوائل الرحالة الذين شملتهم هذه الدراسة، اليعقوبي في القرن التاسع عشر، الذي كتب يقول إن: «الصين بلد شاسع، يمكن الوصول إليه من خلال عبور سبعة بحار. وكل بحر من هذه البحار له لونه ورياحه وأسماكه ونسيمه الذي لا يمكن العثور عليه في أي موضع آخر».

ويشمل الرحالة من القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، ابن الفقيه، الذي يقارن بين العادات والغذاء والأزياء والطقوس وبعض الحيوانات والنباتات في الهند والصين.

ويركز ابن رسته الأصفهاني، على أحد ملوك إمبراطورية الخمير، الذي أحاط به ثمانون قاضياً، ومعاملته الشرسة لرعاياه، فيما يعكف على الشراب، وكذلك أيضاً على معاملته السمحة والسخية للمسلمين. ويتناول كذلك أرض الخمير وسكانها الكثيرين، ويلاحظ عدم وجود الفجاجة في صفوفهم.

ويركز أبو الفرج على الهند وأهلها وعاداتها ودياناتها. ويتحدث عن الصين أيضاً قائلاً، إن فيها 300 مدينة، وأن أي شخص يود السفر إليها، يتعين عليه تسجيل اسمه وموعد الرحلة وسنه وما يحمله معه ومرافقيه.

ويحفظ هذا السجل، حتى يتم استكمال الرحلة بأمان. وسبب هذا هو الخوف من أن ضرراً قد يلحق بالمسافر، الأمر الذي يجلب العار على الحاكم. وأشار فران أيضاً، إلى رحالة القرن الثالث عشر، مثل زكريا ابن محمود القزويني، الذي ترك صوراً للمخلوقات الرائعة التي تنتشر في بحر الصين.

ابن بطوطة انطلق على ظهر دابته في الثالث عشر من يونيو عام 1325، في بداية رحلة بالبر، امتدت ثلاثة آلاف ميل إلى مكة من طنجة في المغرب. وترك عائلته وأصدقاءه ومسقط رأسه، ولم يرهم مجدداً إلا بعد 29 عاماً. ولم يرَ بعضهم بتاتاً، لأن الطاعون أودى بهم قبل عودته.

وجاب أركان العالم الإسلامي، عبر المشي وركوب الدواب والإبحار على امتداد 75 ألف ميل، وعبر أكثر من 40 بلداً. ووضعت صوره العالم في العصور الوسطى أمامنا. وأخبرنا بأن الذهب نقل من جنوب الصحراء الكبرى إلى مصر وسوريا. وأن الحجاج تدفقوا من مكة وإليها، وأن النقود الورقية جاءت من غرب الصين، وتابع ابن بطوطة الذهب والعاج والحرير والسلاطين والحكماء والحجاج، وعمل قاضياً للسلاطين والأباطرة. وقيل إن رحلته أصبحت جولة هائلة، تجمع بين العبادة والعمل والمغامرة، وبحكم كونه مسلماً، فقد تمكن من فهم قواعد سلوك القرن الرابع عشر في أوراسيا، التي شملت الأعمال الخيرية والتجارة والمساواة ومتابعة المعرفة والإيمان.

وعندما عاد إلى مسقط رأسه عقب ثلاثة عقود، كان رحالة مشهوراً يروي قصصاً عن الأراضي الغريبة. ووقتها طلب منه سلطان فاس أبو عنان أن يدون خبراته في كتاب، وأكمل مع كاتب الملك ابن جزي الكلبي، المهمة خلال سنتين.

وخلف ابن بطوطة وراءه واحداً من أعظم الكتب التاريخية على الإطلاق، وعلى وجه الخصوص، الصورة التي أبدعها لمالي في العصور الوسطى، وهو السجل الوحيد عنها الموجود لدينا اليوم.