جميع العرب في كل مكانٍ وزمانٍ لا يخفون حبّهم للغتهم وفخرهم بها، وهذا يصحُّ أيضاً أن يكون شنشنةً (طبيعةً) لكل إنسان عاقل من أيّ أمةٍ وملّةٍ يعرف أنّ اللغة هي شعاره ودثاره؛ يضعف بضعفها، ويذل بذلّها، ويقوى ويتفوق بقوتها وعزّتها.
وليس أدلّ على قولي هذا من شدة اعتناء الأمم المتقدمة بلغاتها ومحاولة السيطرة بها على الدول الضعيفة المغلوبة، كما فعلت العربية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية والبرتغالية، وحاولت اللغات الهولندية والإيطالية واليابانية والألمانية اللحاق باللغات الأولى ولكن فشلت لأسباب كثيرة، وفرضت الإنجليزية سيطرتها عالمياً في هذا الزمان العجيب لأنها بقيت فترة طويلة يُطلق عليها بحقّ الدولة التي لا تغيب عنها الشمس، وتليها في هذا المجد اللغة الفرنسية لكثرة الدول التي تغلبت عليها في القارة الأفريقية وبعض الدول العربية.
أما اللغة العربية فقد وصلت إلى الحضيض العلمي منذ زمن بعيد؛ لأنّ أهلها تغلّب عليهم الغزاة الحاقدون لقرونٍ عدّة، وكان أسوأها الاستعمار التركي الذي جعل الأمة العربية تتخلف عن ركب الحضارة لقرونٍ كثيرةٍ؛ فتهاون أهل اللغة العربية عن القيام بدورهم السامي العالمي الذي قاموا به في القرون الأولى إبان الحكم الأموي ثم العباسي، ولم تستطع العربية أن تلحق اللغات الكبرى حتى في أدبها فأحرى أن تسابقهم في التعبير عن المصطلحات العلمية، فواحزناه عليها.
في العصر الحديث إذا تتبعنا سِيَر الملوك والأمراء والشيوخ والرؤساء فلن نجد من يهتم بلغتنا العربية مثل اهتمام سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي أعرف حرصه على العربية وانشغاله بها وحفظه للشعر العربي منذ صغره، وعندما تولى سدة الحكم، حفظه الله، أولى اللغة العربية اهتماماً منقطع النظير، ولم أعرف أحداً من الحكّام أكثر تأثيراً من مبادراته الكثيرة الأدبية والإدارية والتحفيزية وسنّ القوانين ودعم غير محدود لكل من يريد خدمة لغتنا الخالدة وهذه بعضها:
لجنة تحديث تعليم اللغة العربية
هذه اللجنة جاءت لتضع تصوراً حديثاً لتعلم اللغة العربية وتعليمها. وشكَّلها، حفظه الله، من خبراء تربويين وأكاديميين وسياسيين وإعلاميين بارزين، لتقديم تقرير شامل بشأن تحديث تعليم اللغة العربية، واقتراح أساليب تعليمية وآليات متطورة لتبني مناهج جديدة تسهم في تعزيز استخدام اللغة العربية وتعليمها لأبنائها والناطقين بغيرها، ويرأسها عالم الفضاء العربي فاروق الباز، وقد خرجت بتقرير مهم جداً بعنوان «العربية لغة حياة» أنصح بالاطلاع عليه.
معجم محمد بن راشد للغة العربية المعاصرة
عن هذا المعجم المهم الذي تحتاج إليه الناشئة حاجتهم للقلم والورق أكتفي بأن أنقل لكم قول أستاذنا الراحل فاروق شوشة، رحمه الله، الذي كان يحلم بنشره يقول: «سيكون معجماً سنوياً يتماشى وتطورَ العصر ومتطلباته، ويعزز مكانة لغتنا الجميلة كلغة حياة، على أن يكون معجماً ناطقاً، وبه ستصحح العلاقة بين اللغة الأم واللهجات العامية في الدول العربية، وهو أيضاً معجم مهم للطلاب والدارسين والمدرسين والباحثين ولكل المهتمين باللغة العربية خاصة المستشرقين والمستعربين، ويأتي معجم محمد بن راشد بعد أكثر من ستين عاماً من وضع آخر معجمين عربيين، لهذا تتأكد أهميته بالنسبة لمواكبة اللغة لمتطلبات ومتغيرات العصر خاصة في قطاع المعلوماتية».
جائزة محمد بن راشد للغة العربية
هذه جائزة كبرى لا مثيل لها تقدّم لكل من له مساهمات لرفعة اللغة العربية في العالم وتحفّز المؤسسات والحكومات على تبنّي المبادرات المهمة لإعادة مكانة اللغة في مكانها الطبيعي، ومنذ إطلاقها عام 2014 حتى اليوم نشاهد عدداً متزايداً من الاهتمام العربي للمساهمة في رفعة اللغة العربية دولياً.
مبادرة تحدي القراءة العربي
قلبت هذه المبادرة جميع الموازين ومؤشرات القراءة في الوطن العربي إلى الأعلى بشكل سريع وفعّال، مما يثبت أنّ الشباب العربي يحتاج إلى مبادرات بنّاءة ليبدع ويظهر تفوقه، فقد قرأ طلبة المدارس في الوطن العربي ملايين الكتب خلال سنة دراسية واحدة، ولو تأملنا في الأمر لعلمنا أننا أمة تقرأ وليس كما يقول عنّا أعداؤنا الذين يريدون إحباطنا وإدخالنا في مرحلة العجز، لكن مع مبادرات سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فإنّ النهوض بالأمة صار سهلاً ميّسراً.
مؤتمر اللغة العربية
من أهم المؤتمرات العربية التي تقام برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ويشرفه بحضوره، وفي هذا المؤتمر يتم مناقشة مئات الأبحاث العلمية في مجال اللغة العربية، وأخبرني الدكتور علي موسى المشرف على المؤتمر أنه لا يُمنع أحد من إرسال بحثه من أي مكان إذا كان ملتزماً بقواعد البحث العلمي، ولهذا تجمّعت لدى القائمين على المؤتمر أبحاث مهمة كثيرة يتم طباعتها سنوياً وتوزيعها على المشاركين.
مبادرة الوسم «بالعربي»
أكبر مبادرة من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في فضاء التواصل الاجتماعي، تحفّز الشباب على استخدام لغتهم باللغة العربية والتخاطب بها وإظهار الولاء لها في يوم اللغة العربية العالمي الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي دخلت فيه اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة عام 1973، وقد أسهم في الترويج لوسم بالعربي معظم المؤسسات الحكومية والشركات والأفراد في دولة الإمارات وخارجها، وفي هذا العام شاركت دولة قطر والكويت ومملكة البحرين في فعاليات المبادرة.
هذا وما ذكرته لكم أيها الأعزاء غيض من فيض المبادرات الكثيرة التي يأمر بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من أجل الحفاظ على اللغة العربية، ويتابعها بنفسه، رعاه الله، حرصاً منه على لغته، وهو الذي قلّدها قصيدته العصماء بعنوان «اللغة الخالدة» التي تعدُّ من عيون الشعر العربي في العصر الحديث.