تستمر هجرات اللاجئين لأوروبا، مع تصاعد الصراع في سوريا. ويرتكز معظم النقاش حول تأثير أزمة الهجرة في الأمن. بيد أن هنالك مسألة تحظى باهتمام أقل، وهي من يدفع حقاً ثمن موجة الهجرة؟. لا يبدو أن أحداً يريد التحدث عن ارتفاع تكاليف الهجرة هنا في أوروبا.

فعدد طالبي اللجوء تضاعف ليصل إلى 1.2 مليون شخص خلال العام الماضي، وذلك بحسب إحصاءات «يوروستات».

وخلال العام الماضي، قدرت صحيفة «ألغماينه تسايتونغ» في فرانكفورت الألمانية، أن فاتورة اللاجئين السنوية التي يدفعها الألمان كضريبة للحكومة، تصل إلى حوالي 10 مليارات يورو، وهي تشمل توفير الغذاء، والرعاية الصحية، وتعلم اللغة، والبدل الشهري.

ونظراً لأن فرنسا تنظر لنفسها باعتبارها موطناً لحقوق الإنسان، فإنه ليس من اللائق أن تطرح مجموعة من الأسئلة بشأن «من سيدفع تكلفة التكفل بجزء كبير من سكان الشرق الأوسط»، إلا أن ذلك يعد سؤالاً حاسماً.

في ظل العولمة الحالية، حيث يمكن لكثير من الشركات متعددة الجنسيات، تحريك عملياتها وأصولها حول العالم، لتقليل الأعباء الضريبية وزيادة العوائد، وحيث يوجد الكثير من العاملين بأجر، ممن لديهم نقابات تحميهم من الشروط المثقلة، من بقي ليتم استغلاله من قبل خزينة الحكومة؟.

يبدو أن الحكومة الفرنسية غير نادمة بشأن استنزاف العاملين المستقلين لتمويل نظام الرعاية الاجتماعية، الذي يتعرض للضغط على نحو متزايد.

يعتبر رواد الأعمال المستقلون، وبشكل متزايد، الشريحة التي تتم إساءة معاملتها، بشكل أكبر، من الناحية المالية من بين القوى العاملة في فرنسا، مع معدل ضرائب ضمان اجتماعي، يمكن أن يكون بنفس ارتفاع 45 % من صافي الأرباح. ويأتي ذلك من بين أعلى معدلات الضرائب للعمال المستقلين في العالم.

وفي الولايات المتحدة، يدفع الموظف المستقل معدل ضريبة يقدر بنحو 15 % من الأمن الاجتماعي الأميركي والرعاية الصحية. كما أن العاملين لحسابهم الخاص في المملكة المتحدة وكندا، يدفعون معدل ضريبة ضمان اجتماعي أقل من 10 %.

تعتبر فرنسا بلاد المؤسسات والموظفين الذين تصرف لهم أجور. ومحاولة أي شخص يجرؤ على العمل خارج ذلك النظام، يعد أمراً محسوساً، وينعكس ذلك على المعاملة المالية.

إذ يتكفل معظم الموظفين الفرنسيين بنحو 13 % من الرسوم الاجتماعية. وبذلك السعر، يحصل المرء أيضاً على إعانات البطالة، وخمسة أسابيع كإجازة سنوية مدفوعة. وعلى الرغم من تحمل حصة غير مناسبة من العبء الاجتماعي، فإن 2.3 مليون عامل مستقل في فرنسا، يعاملهم السياسيون كتهديد سياسي لليمين واليسار.

حتى إن رئيس اليمين الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، قد سخر من تصاعد القوى العاملة المستقلة. وقال ساركوزي في كلمة ألقاها، للموظفين بأجر في مجموعة «غروب هولدرز في ليل»: «أسمع أحياناً في بعض البرامج الإذاعية، الكثير من الأشخاص المكابرين الذين يقولون إنه لن يكون هنالك المزيد من الوظائف المدفوعة، مستقبلاً، أو مزيد من الصفقات التقليدية».

وفي وقت سابق من العام الجاري، أعلن وزير المالية الفرنسي، عن الحاجة لإيجاد فرص العمل، قائلاً: «نحتاج لإيجاد 100 ألف وظيفة، بهدف خفض البطالة، ونحن في الطريق إلى ذلك». وبدلاً من تشويه صورة العمال المستقلين، وفرض الضرائب عليهم حتى الموت، مع «التكاليف الاجتماعية»، والحديث عنهم كما لو أنهم تهديد لنظامك الاشتراكي الرائع، ما رأيك بالتخفيف عنهم، والسماح لهم بمساعدتك في إيجاد نحو 100 ألف وظيفة؟.

في حال لم تتمكن فرنسا من إيجاد وظائف جديدة، فإن بعض العاطلين عن العمل، سيتحركون ببساطة نحو البلاد التي تقدم لهم فرصة أفضل للتوظيف. ومن ثم، سيكون أمام فرنسا صعوبة أكبر للدفع من أجل سخائها الاجتماعي.