هناك إجماع على أن أحداث سوريا هي أغرب ما عرفه العالم من كوارث وحروب، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا يستثنى من ذلك الحروب المحلية والدولية التي شهدتها كوريا وفيتنام وأفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، والحرب الأهلية الصينية التي استمرت سبعة وعشرين عاماً، واعتبرت أكثر حروب التاريخ فداحة من حيث تكلفتها البشرية.

ليس بين الحروب التي نعرفها واحدة تركزت بصورة شبه حصرية على مجازر ضد المدنيين كالحرب التي يشنها النظام الأسدي والروس والإيرانيون ومرتزقتهم ضد شعبنا.

والغريب أن هناك فكرة تعتبر الأسدية نظاماً كغيرها من النظم، وتتجاهل أنها قامت منذ يومها الأول على المجازر، وقتلت بين عامي 1980 و1982 مئة واثني عشر ألف مواطنة ومواطن في مختلف مناطق سوريا، بحجة الحرب ضد «عصابة» اتهمتها يومياً بالغربة عن الشعب والوطن وعدم تمثيل أحد في سوريا، تتألف من مجموعة صغيرة ومعزولة من الخونة والمجرمين وعملاء الصهيونية المأجورين.

رغم هذه المزاعم، قتلت الأسدية عدداً هائلاً من بسطاء السوريين، وشنت غارات منظمة على قرى وبلدات سورية، كان بينها واحدة قادها عميد في الوحدات الخاصة ضد بلدة «جسر الشغور».

قتل خلالها مئة وأحد عشر شهيداً بينهم طفلان هما ماهر وجمال المصري، اللذان كانا في طريقهما إلى مخبز لشراء الخبز، عندما أمر بمنع التجول والقبض على كل من يجده جنده في الشوارع، فاقتيد الطفلان إلى مركز البريد على أطراف المدينة، وضربا بالكابلات الرباعية على رأسيهما إلى أن انفصلا عن جسديهما. يومذاك، كان عمر جمال تسعة أعوام وماهر 11 عاماً.

رد الأسد منذ يوم التظاهرات الأول بالمجازر على المدنيين المسالمين، رغم أنهم لم يكونوا قد بدؤوا يطالبونه بالرحيل. ومن المعلوم أن السلطة رفعت قبل الثورة بشهرين شعارين قال أولهما: «الأسد أو لا أحد»، وثانيهما: «الأسد أو نحرق البلد».

من عساه يكون هذا الـ«لا أحد» إن لم يكن شعب سوريا، ومن غيره سيحترق مع البلد؟ بهذه العقلية اتخذ النظام منذ ما قبل الثورة قراراً لم يحد عنه هو تطبيق حل عسكري - أمني ضد الشعب السوري. آنذاك، لم يكن هناك جيش حر وفصائل مسلحة.

من يرى اليوم أشرطة بثها الإعلام في حينه، سيجد شوارع مليئة بالناس وجنداً وأمنيين يطلقون النار عليهم بلا تمييز.

وسيتابع صور عشرات الجنازات اليومية لمدنيين عزل من مختلف الأعمار، خرجوا مطالبين بالإصلاح، وحين أصابهم اليأس من توقف النظام عن قتلهم، رفعوا شعار إسقاط الأسد والنظام، اللذين صعدا عنفهما ضدهم وقتلا يومياً المزيد منهم، مع كل تصريح كان بشار يزعم فيه أنه أمر بوقف إطلاق النار.

بدأت خطة استهداف المدنيين بقيام الأمن وتوابعه بإيصال السلاح والذخيرة إلى المتظاهرين من خلال إلقائها في الشوارع، وإجبارهم بالعنف على التقاطها واستخدامها؛ لأن ذلك يبدل طابع الصراع ويضع حداً لظهور الأسد بمظهر قاتل أطفال ومواطنين عزل ومسالمين، ويمكنه من تسويق نفسه ضحيةً للإرهابيين.

واليوم، وقد بلغ عدد الشهداء السوريين حوالي مليون شهيد، وتم اقتلاع مجتمعهم من جذوره وتبعثروا في أربع أصقاع الكون، وأُخضعوا منذ أعوام للحصار والتجويع والقصف والاعتقال والتعذيب والتشويه والإخفاء، وقُتلوا بأسلحة محظورة دولياً كالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والجرثومية.

وكذلك بأسلحة نوعية وفتاكة استخدمها الروس بصورة عشوائية لـ«محاربة الإرهاب»، كان آخرها القنابل الارتجاجية، التي قال بعض من عرفوا «خدماتها» أنها تحدث هزات أرضية تتبعها انهيارات في المباني، تدفن سكانها تحت أنقاض منازلهم، سواء جرحوا أو تحولت جثامينهم إلى رماد.

أخيراً، عزز النظام والروس جهودهم لـ«حماية» المدنيين بقصف المخابز والأسواق والمدارس والمستشفيات والمساجد وأي مكان يتجمعون فيه.

تعيش سوريا حرباً متعددة الجنسية تستهدف العزل والضعفاء من مواطناتها ومواطنيها، الذين يرى النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون في إبادتهم الوشيكة انتصارهم المؤكد. من لا يصدق، فليقارن ما كان الشعب السوري عليه قبل هذه الحرب، وما صار إليه اليوم!

هل تطبق في سوريا تجارب على حرب جديدة هدفها إلحاق أعظم قدر من القتل والدمار بالشعب؟ إذا ما تأملنا ردود أفعال العالم على الحرب في سوريا، كان علينا القول: نعم، هذا بالضبط هو ما يجري!