احتفى دونالد ترامب، أخيراً، بقرار مصنع «كارير» لعكس خطته الرامية لنقل نشاطه للمكسيك. وبالتالي ستبقى هناك نحو 800 وظيفة في مدينة انديانابوليس.
وقال ترامب لمجلة نيويورك تايمز: «سيتوجب على الشركات الأميركية فهم مسألة وجوب اهتمامنا بعمالنا».
وعقب نائب الرئيس المنتخب مايكل بنس على ذلك بالقول إن: «السوق الحرة تفرز البضائع في كل مرة، وأميركا تخسر في كل مرة». وبالتالي ما هو بديل ترامب بشأن السوق الحرة؟ رشوة الشركات العملاقة للحفاظ على الوظائف في أميركا.
كان حرياً بخطوة نقل «كارير» للمكسيك توفير ما مقداره 65 مليون دولار أميركي سنوياً على الشركة، وذلك في صورة أجور.
لقد وعد ترامب بفوائد أكبر. فولاية إنديانا ستتعهد بوضع نحو سبعة ملايين دولار، إلا أن ذلك المبلغ مجرد بداية وحسب.
الشركة الأم لـ «كارير»، والتي يطلق عليها اسم «يونايتد تكنولوجيز»، تحوز عقوداً عسكرية درت العام الماضي نحو 6.8 مليارات دولار من نحو 57 مليون دولار من العائدات.
ولو أن ترامب نفذ التعزيزات العسكرية التي توعد بها، لكان بإمكان الشركة جني ثروة.
بيد أن ذلك لا يمثل الأمر كله. فلدى «يونايتد تكنولوجيز» أكثر من مجرد ستة مليارات دولار في صورة أموال في الخارج، حيث تعتبر معدلات الضرائب منخفضة.
من الممكن أن تدر تلك الأموال مبالغ هائلة في حال شرع ترامب في وضع خطة للسماح للشركات العالمية بجلب تلك الأموال للبلاد، ودفع معدل ضريبة منخفض.
وبكلمات أخرى، سيسهم ترامب في رعاية الشركات الأميركية لـ «عمالنا» عن طريق رشوتهم بعقود حكومية، وخفض الضرائب، وإعفائها من القوانين. ويكمن فن الصفقة في زيادة أرباح الشركات وافتراض أن المؤسسات ستتعامل بالمثل من خلال إيجاد وظائف أميركية جيدة.
إن الأمر عبارة عن «اقتصاد التنقيط» ولكن بصبغة شعبية.
إلا أنها لن تنجح، فلطالما تواصل «وول ستريت» دفع المؤسسات نحو زيادة عائدات المساهمين سيستمر العمال الأميركيون في فقدان وظائفهم، ذات الرواتب الجيدة، وذلك لصالح العمال الأجانب أو الروبوتات.
تعتبر الوظائف والأجور من أكثر الأمور المكلفة بالنسبة إلى معظم الميزانيات العمومية للشركات، بحيث أن خفضها يظل الطريقة الأسهل لدعم الأرباح وأسعار الأسهم.
ولو أن ترامب كان جاداً بشأن إنعاش الوظائف الجيدة في أميركا، لكان قد منح العمال مزيداً من القوة التفاوضية من خلال تعزيز النقابات العمالية، ورفع مستوى التعليم والتدريب مدى الحياة.
وهذه هي الطريقة التي طبقها الاقتصاد الأميركي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى ثمانينيات القرن العشرين، عندما تمت زيادة الوظائف والأجور بشكل يتوافق مع زيادة أرباح الشركات. ولم تكن المؤسسات الكبيرة مسؤولة فقط عن المساهمين فيها، وإنما كانت مسؤولة عن عمالها.
لقد تمت معاملة العمال كأصول بحاجة للتطوير، مع إعادة تدريبهم بمهارات أكثر تفوقاً، وذلك في حين تتحرك الشركات نحو القيمة الأعلى، مع الاتجاه لتسريح العمال فقط عندما يكون ذلك هو الخيار الأخير.
ولكن مع بداية ثمانينيات القرن العشرين، أصبح لابد من تخفيض تكاليف العمالة. ليعمد الأشخاص الذين تسلموا زمام الشركات بعمليات استحواذ عدائية، باستخدام سندات رديئة ذات عوائد مرتفعة، والاستحواذ على المديونية، وذلك للسيطرة على الشركات، ومن ثم عمدوا لتقليص الوظائف للحصول على عائدات أكبر. ولقد واجهوا رد فعل عنيفاً من قبل النقابات، خصوصاً مع الاستعانة بعمالة خارجية لشغل الوظائف، واستخدام معدات تشغيل آلية.
بلغت العمالة الأميركية ذروتها في المجال الصناعي عام 1979، مع توفر نحو 20 مليون فرصة عمل. ومنذ ذلك الحين، تم فقدان ما يصل إلى 8 ملايين وظيفة، أمام العمالة الأجنبية الأرخص أو أنظمة التشغيل الأوتوماتيكية.
لن يعمل دونالد ترامب على تغيير تلك الأسس الاقتصادية.
قد يتم سؤالي، كيف تعلم ذلك؟ أجيب، لأن خيارات حكومته للوظائف الاقتصادية الرئيسية أصبحت بين زعماء العصابة بالنسبة إلى التغييرات التي أتحدث عنها.
المصرفي ستيفن منوشين الذي تولى حقيبة وزارة الخزانة، يعتبر شريكاً سابقاً في مصرف «غولدمان ساكس»، والذي حقق المليارات من خلال شراء الشركات وخفض الوظائف.
كما اختار ترامب ويلبر روس الابن لمنصب وزير التجارة، وهو شخص جنى المليارات من خلال استخدامه الإفلاس لحماية أصحاب المشاريع من الأثرياء، في حين ترك العمال والمجتمعات يتحملون مسؤولية ذلك. (على سبيل المثال انهيار امبراطورية كازينو ترامب).
يقدم أولئك الرجال مثالاً على حيازة المصالح المالية على الاقتصاد الأميركي الذي يركز فقط على الأرباح المرتفعة، ورفع أسعار الأسهم، وتسبب في خداع العمال الأميركيين.