بدءاً من «ويكليكس» ووصولاً إلى «دي سي ليكس» ليس هناك أي نقص في البيانات المسربة، التي تظهر عبر "الإنترنت"، والتي يعد بعضها سرياً للغاية، إلا أنه عند وجود عمليات تسريب، ينصب معظم تركيز الناس على هوية المصدر المُسرب، مع أن ليس للأخير أية صلة بالبيانات، إلى حد كبير، لا سيما إذا كانت البيانات موثوقة.
علماً بأن المرء يدرك ما إذا كانت البيانات المسربة ذات مصداقية أم لا، في حال تم إرسال شكوى عن وجود تسريب. وعوضاً عن ذلك، يجب علينا سؤال أنفسنا ما إذا كنا نريد بالفعل ثقافة الشفافية الكلية، مع إمكانية الوصول للبيانات، لتصبح تلك العادة الجديدة مألوفة، حتى في الأمور التي تتعلق بالأمن الوطني.
ففي حال أدت الأجهزة الاستخبارية عملها على نحو جيد، فإنه بإمكانها لعب دور حاسم للغاية في الديمقراطيات. لقد أقر إيريك فان دير سيبت، المتحدث باسم مكتب المدعي العام الاتحادي البلجيكي، أخيراً، للصحيفة الإخبارية البلجيكية «لو سوار» أن المنظمة طلبت المساعدة لتحليل البيانات، وذلك من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، أملاً بتحديد مكان صلاح عبد السلام، الفرنسي المولود في بلجيكا، والمشارك في الهجمات الإرهابية في باريس، أواخر شهر نوفمبر الماضي.
ولقد تم إلقاء القبض على صلاح عبد السلام في مارس الماضي، عقب ساعات فقط من جنازة شقيقه المصنف كونه إرهابياً، إبراهيم عبد السلام، الذي فجر نفسه في أحد مقاهي باريس.
ولم يؤكد القاضي البلجيكي استخدام بيانات وكالة الأمن القومي الاستخبارية، إلا أن من الصعب تخيل عدم استعانة مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» بوكالة الأمن القومي وطلب تزويده بمعلومات استخبارية إلكترونية أجنبية.
من الذي سيقدم شكوى بخصوص ذلك؟ هل سيتمكن أي أحد في بلجيكا أو فرنسا من النهوض والدفاع عن الحقوق المدنية للمتطرفين الإرهابيين، بسبب عمليات اختراق لـ«جهات أميركية ذات نفوذ»؟ إن الأمر مستبعد.
وفي هذا الموضوع، تبرز حقيقة هامة يقوم عليها الجدل حول استخدام الاستخبارات الحكومية، ألا وهي أن الغاية تبرر الوسيلة، ففي حال كانت النتيجة النهائية للاستخبارات واستخدام المعلومات إيجابية، فإن عدد الشكاوى والتسريبات سيقل.
لقد كشفت ملفات «ويكيليكس» عن علاجات «البوتوكس»، التي خضع لها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، كما أماطت اللثام عن علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإيطالي السابق سلفيو برلسكوني، التي تشبه الرسائل الإلكترونية اللجنة الوطنية الديمقراطية، حيث أظهرت الرسائل المؤامرة ضد بيرني ساندرز، منافس هيلاري كلينتون.
تأتي المعلومات المسربة كونها علامة على إخفاق نظام الحصانة، وإلى أن يتم تطهير جوهر الحكومة من عدم الكفاءة والاستغلال، التي أظهرتها التسريبات، فإن ليس هنالك شك في انبثاق المزيد من التسريبات.
ستسفر حرب المعلوماتية، شأن كل حرب، عن أضرار جانبية، إذ كشفت المعلومات المسربة عن أسماء مخبرين وغيرهم من المصادر الاستخباراتية، ممن خاطروا، بشكل كبير، للتعاون مع الحكومة الأميركية، الأمر الذي يعني وجود عدد قليل من الناس المهتمين بالتعاون مستقبلاً.
ومن هنا، هل نريد أن تصبح التسريبات الوضع الاعتيادي الجديد؟ بالطبع الإجابة هي لا، ففي الديمقراطيات الفعالة، لا يمكن تمييز المسؤولين الحكوميين عن المدنيين.
وبالتالي فإن أولئك الذين يسربون المعلومات التي تكشف المسؤولين الحكوميين هم في الحقيقية يعرضون المدنيين لخطر أن يصبحوا أهدافاً للأعداء الذين باستطاعتهم استغلال تلك المعلومات، لكن عندما تكون الديمقراطية غير فاعلة فإن هناك هوة بين الحكومة والناس، وبالتالي يوجد هنالك ما يبرر ذلك الكشف الإلكتروني.
ومع ذلك، وعلى المدى البعيد، فإن التسريبات لا تضر لأن الديمقراطيات تعاني من عيوب كامنة بالنسبة إلى لعبة المعلومات المجانية والتسريبات. وعلى غرار ما يمكن للمرء أن يعتقد أن أي أحد يمكنه أن يتعرض للاختراق، فإن معظم المعلومات المسربة ما هي إلا نتيجة لعمليات اختراق داخلية عمل خلالها شخص من الداخل على تسريب البيانات لشخص على الإنترنت.