مع العام الجديد 2017، أتشرف بأن تكون هذه هي سطوري الأولى في مقال أسبوعي بجريدة البيان الغراء، أعتبره تكريماً وإضافة مهمة لي بعد نحو خمسة وثلاثين عاماً من العمل في مهنة البحث والكتابة.

الكتابة من مصر والنشر في الإمارات هو إعادة تأكيد شخصي على ما استقر موضوعياً منذ تأسيس الدولة الشقيقة عام 1971 من علاقات مع مصر وشعبها ليست بحاجة في عمقها وثباتها لشهادة أو دليل.

في هذه المساحة، سنحاول أن يكون معظم سطورها مخصصاً لقراءة وتحليل كل القضايا والموضوعات التي تهم وتمس البلدين الشقيقين وحولهما ومعهما كياننا الأوسع، أمتنا العربية، الذي لا انفصام لأي منهما عنه، بل ولا يكتمل وجودهما الحقيقي إلا به.

هذا الكيان الأوسع مر على تقسيمه العام المنتهي أمس، 2016، مئة عام منذ أن وقع الفرنسيون والبريطانيون وانضم إليهم بعدها الروس اتفاقية سايكس ـ بيكو، ومر على زرع الدولة اليهودية الصهيونية في قلبه قرابة السبعين عاماً، تكفلت خلالها الترتيبات والأطماع الخارجية ومعها الحماقات والصغائر الداخلية بتقسيم ما لم يقسم فيه وإنهاك ما بقي فيه من قوة.

نستقبل عام 2017 ونحن أمة بالمعنى المعنوي والشعوري وليس بأي معنى سياسي أو مؤسسي أو تنظيمي، فقد غابت أحلام وحتى أوهام الوحدة ومعها التكامل والتضامن، ولم تبقَ سوى الحقائق المرة بانقسام هذه الأمة إلى دول متفرقة، بات الدفاع عن وجود كل منها وتماسكها ووحدتها الداخلية هو أبرز الآمال وأحياناً أكثرها تكلفة لتحقيقه.

هذا الإدراك الواقعي في ظل الظروف والمتغيرات شديدة الوطأة والصعوبة التي تحيط بمختلف دول ومجتمعات أمتنا في السنوات الست الأخيرة، يدفع إلى ضرورة المطالبة بل والصياح والتحذير بأن يحافظ المحور الرئيسي والمهم الذي برز في الشرق العربي بعد ثورة 30 يونيو 2013، على تماسكه وفعاليته وقدرته على الفعل.

هذا المحور الذي يتشكل من مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومعهم الكويت والبحرين، كان هو خط الدفاع الأخير ضد تصفية الدولة الوطنية في العالم العربي على يد المشروع الإخواني المتصل من ناحية بقوى دولية هي سليلة من وقعوا سايكس ـ بيكو وأقاموا الدولة العبرية، ومن ناحية أخرى بقوى إقليمية تسعى للهيمنة على الشرق العربي كله وبخاصة دول الخليج العربية بعد إخضاع العراق.

تهديد الوجود الذي أسقطه هذا المحور في أقصى وأخطر تجلياته بحكم الإخوان لمصر، لم ينته ومازال قائماً يحاول استعادة قوته عبر محاولة إضعاف وإفساد علاقات من أسقطوه.

وهذه المحاولات الدؤوبة لاستعادة المظلة الإخوانية على منطقة الشرق العربي تستمد قدرتها على الحياة والمواصلة ليس فقط من الداعمين الإقليمي والدولي القائمين بحق وبلا مبالغة، ولكن أيضاً من تلك الخلافات والاختلافات الصغيرة وحتى المتوسطة بين بعض دول محور الحياة واستمرار الوجود المشار إليه، والتي يساهم الحمق أحياناً وسوء التقدير أحياناً أخرى في تحويلها لما يشبه التناقض أو الصراع.

إن أوثق العلاقات بين أقرب الدول والشعوب والأمم التي عرفها تاريخ البشرية، لم تعرف يوماً تطابقاً كاملاً في الرؤى والمواقف، بل كان هناك دوماً ذلك الهامش الذي يضيق ويتسع لكل مصلحة وطنية لأي منها قد تتعارض مع غيرها للدولة الأخرى، ويبقى دائماً الإطار الأوسع للعلاقات والمصالح الاستراتيجية والأعمق هو الأصل وهو المستمر.

دول محور الحياة واستمرار الوجود العربي المستقل، مدعوة اليوم بقيادتها السياسية ومختلف نخبها وخاصة الإعلامية، إلى الحفاظ على نصرها الكبير الذي حققته وتجنب نفاذ العدو من ثغرة أو ثغرات بين صفوفها، فالحرب لم تنته بعد، وجيوش الظلام لا تزال مصطفة أمامنا وبعض من ذيولها وأتباعها يختبئ بيننا، فلنصطبر على بعضنا، فالنصر الأخير قد اقترب، وما النصر إلا صبر ساعة كما يقول المثل السائر.