لسنا ندري تماماً، بالطبع، ما الذي تمناه كل إنسان على وجه الأرض لغيره، عند نهاية عام 2015، آملاً له أن يتحقق في مجرى عام 2016. لسنا ندري بالطبع شيئاً عما تحقق بالفعل من الأمنيات.
فعلى الصعيد الفردي، وكما يحدث في كل عام، تتحقق أمور وتفلت أمور، وفي النهاية، ومهما كانت الحال، نجد نوعاً من التكافؤ بين الجيد والأقل جودة، والسيئ والأقل سوءاً، فذلكم هو مجرى الحياة، وما لامرئ منه تملص.
ولكن، على الصعيد الجماعي، لا شك أن الأمور تبدو شديدة الاختلاف. فنحن لو تأملنا العام الذي انصرم لتوّه، لن نجد الكثير يتحقق فيه، مما تمناه كل واحد منا للبشرية جمعاء، طوال عام، لا شك أنه كان الأسوأ منذ سنوات طويلة.
لقد وقفنا جميعاً في اليوم الأخير من العام الذي سبقه، لنتمنى الخير والسلام والسعادة والازدهار، وكان من الطبيعي يومها أن نتوجه بأحلى أمنياتنا إلى الأقربين منا، شعوباً وأحباء وأمماً، وكذلك كان من الطبيعي أن تُخصّ بؤر الحريق في عالمنا العربي بالقدر الأكبر من الأماني الطيبة.
فمن سوريا الجريحة إلى فلسطين التي كادت تكون منسية، إلى العراق المشرذم، ولبنان الواقف دائماً على حافة الهاوية، وليبيا التي لم تعرف الراحة منذ سنوات طويلة، وصولاً إلى اليمن الذي فقد -إلى الأبد- تلك السعادة التي لطالما ارتبطت باسمه «يمناً سعيداً»، والأنكى أن الشعوب العربية لا تعيش وضعاً في سوئه وتخلفه، بل تعيش انزياحاً متواصلاً نحو الأسوأ، وكأن لعنة أصابتها فدمرتها.
من هنا، لا شك أن الأماني الطيبة والدعوات الصالحات، كانت تحديداً ما تحتاجه هذه الخرائط العربية التي باتت تتمزق ألف مرة ومرة في اليوم الواحد، أمام أنظار الكون وسكوته ولؤمه، ولكن ماذا تحقق من تلك الأماني الطيبة، وبالتالي، من ذا الذي يجرؤ هذا العام الجديد أن يتوقع للعام المقبل؟، وما الذي يمكن توقّعه؟، ما الذي يمكن قوله ومؤشرات العام الذي انصرم لا تبشّر بالخير؟
لا يمكننا في هذه العجالة طبعاً، أن ندخل في أي تفاصيل. ولا يمكننا أن نكون من الحمق والقحة، بحيث نعتلي شاشات التلفزة لنقرر، مع كل أنواع النصابين الذين يدّعون العلم بالغيب، ويفتون فيما سوف «يحدث» في العام الطالع، ما الذي ستكون عليه أحوال شعوبنا.
لن نسلك سلوك أولئك السذّج الذين قد يرون خيراً في التقاء رئيسين «قويين» على قمة العالم، أحدهما في موسكو لم يغسل يديه بعد من دماء السوريين، وثانيهما في واشنطن سيطالب قريباً بحصته من الدماء، إذا عرفنا كيف نفسّر ما يقوله على الأقل.
ولا يمكننا أن نرى أفقاً لتلك المجازر التي تتوالى أمام أنظارنا. في هذه العجالة، لا يمكننا أن نحسم ما إذا كان كل واحد منا، نحن العرب على الأقل، قد أقر بنفسه، أمام نفسه على بحصّته من المسؤولية عما حدث، واليوم عن استحالة التصدي لما سوف يحدث.
ومع هذا، لا بد من قولها: ليس ما يحدث لنا ومن حولنا قدراً غاشماً يهاجمنا ويمزقنا، وليس تضافراً لظروف باغتتنا أتتنا من خارجنا بفعل مؤامرات حيكت في غفلة عنا، وها هي تنفّذ عندنا. ما يحدث لنا أمور شاركنا فيها جميعاً، إن لم يكن بالفعل، فبالسكوت. ربما كان ثمة قوى وأطراف فاعلة لعبت دورها في ذلك كله.
ولكن أين نحن من هذا كله؟، ما حصتنا من المسؤولية ومن جلد الذات، إن لم يكن تدميرها؟، ما الذي فعله كل واحد منا لبلداننا وللبلدان المجاورة لنا؟، ولماذا تركنا كل هذا يتفاقم، وشعارنا يقول: لن يحدث هذا إلا للآخرين؟، أين المثقفون ودورهم؟، أين المبدعون والأفراد والجماعات؟، وأين تلك الشعوب التي تبني الأوطان؟
هل الجواب يمثل اليوم في انهيار الصحافة؟، أم في أزمة القراءة؟، أم في السنوات الطويلة التي ينفقها أي مبدع من شبابه وحياته، قبل أن يجد سبيلاً لتحقيق إبداعه وإيصاله إلى جمهوره؟، وماذا عن الجامعات التي لا تخرّج إلا عاطلين عن العمل أو متسكعين في انتظار سمات دخول على أبواب السفارات؟، وماذا عن الشاشات الصغيرة التي تغزوها جحافل المنجمين والنتاجات الأجنبية، وكل ما هب ودب من تفاهات؟
وماذا عن حياتنا الاجتماعية وعنصريتنا بعضنا تجاه البعض الآخر...؟، فقط حقيقة لا بد من قولها أخيراً عند نهاية العام: لقد قتل العرب من بعضهم البعض، ودمروا ديارهم وشردوا بعضهم بعضاً خلال الأعوام الستة الأخيرة، أضعاف أضعاف ما فعل الإسرائيليون طوال ثلاثة أرباع القرن... فهل نختم قائلين: كل عام أنتم بخير؟.