سواء كان حزب الله بلا دبابات أم صار بدبابات، وسواء كان بصواريخ أم ببنادق صيد، هذا لا يغير شيئاً من حقيقة أنه جهة معتدية، تشن حرباً ضد شعب لم يعتد على لبنانية أو لبناني، ولم يهدد أمن وسلامة شعب لبنان، بل كان طيلة التاريخ المعاصر منافحاً عن حريته، مدافعاً عن حقه في الاستقلال والسيادة، رافضاً ما تعرض له على يد نظام الأسد من احتلال إجرامي قتل الآلاف من بناته وأبنائه.

ومن انتهاك لكرامة مئات الآلاف من مواطناته ومواطنيه، ومقدماً تضحيات غالية من أجل عتقه من العبودية الأسدية، التي أثارت لدى معظم السوريين الشعور بالتضامن والإخاء مع لبنان وشعبه المظلوم، لولاه لما وجد كل لبناني قصد سوريا هارباً أو لاجئاً الترحاب والقبول، ولما أشعرته قطاعات واسعة في مختلف أنحاء سوريا بأنه في وطنه، وأن اللبنانيين شركاء للسوريين في مصير أخوي، فوق سياسي، يمليه الإخاء والعيش المشترك.

بدبابات أو بلا دبابات، لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للسوريين، فالحزب الذي ينسبونه اليوم إلى الشيطان، بعد أن كانوا مستعدين لافتدائه بأرواحهم ومهجهم، يحتل منذ أعوام أجزاء غالية من وطنهم دون أي مسوغ، ويقتل أطفالهم ونساءهم وشيوخهم، ويطرد مواطناتهم ومواطنيهم من بيوتهم وأراضيهم ويسرق ممتلكاتهم، ويبدل الطابع السكاني لمناطقهم، امتثالا لخطة إيرانية تستهدف المشرق العربي اليوم، وتشن الحرب عليهم بذرائع مضحكة، وقتل الشعب السوري دون تمييز بحجة انه تكفيري.

لن تغير دبابات الحزب شيئاً من موقف السوريات والسوريين تجاهه، ولن تخيفهم وتدفعهم إلى إلقاء سلاحهم وامتناعهم عن مقاومته. ولو كانت الدبابات تخيفهم، لما قاتلوا جيش النظام بدباباته التي تربو على الأربعة آلاف، وطائراته التي تبلغ نيفا وستمائة طائرة. ولما واجهوا ترسانتي إيران وروسيا بما تمتلكانه من أسلحة قتل جماعي وإبادة شاملة وطلقات لا تخيب.

إذا كان حزب الله يبعث بهذه الرسالة إلى السوريين، فقد أخطأ العنوان. وإذا كان يوجهها إلى إسرائيل، فقد أخطأ التفكير. وإذا كانت موجهة إلى اللبنانيين، كما يرجح كثيرون، وإلى الرئيس ميشيل عون بالتحديد، كي يلوي ذراعه «من أولها»، ويردعه عن التمرد عليه والتعامل معه من موقعه الجديد كرئيس جمهورية تختلف حساباته عن الحسابات التي أملت عليه تحالفه معه قبل أعوام، فقد ضل السبيل، اقله لأنه يؤكد مجدداً للبنانيين انه لن يغير أسلوبه في التعامل معهم.

إذا كان السوريون هم المقصودون، فليخيط حسن نصر الله بغير هذه المسلة: لن يوقف الشعب السوري مقاومة مرتزقته وملاحقتهم قبل أن يسلم هو نفسه للسلطة السورية القادمة ويحاكم في دمشق. وإذا كان يقصد إسرائيل فهذا أمر لا يعنينا، فإن كان يريد تخويف اللبنانيين.

فإن محاولته لن تكون أول تحد واجهوه خلال القرنين الماضيين، ولو ألقى نظرة على تاريخ لبنان، ورآه بأعين غير إيرانية، لرأى كيف اختفت دويلات وغابت زعامات وانهزمت عصابات وسقط الذين استغفلوا التاريخ بأسرع مما صعدوا، ولتاب عما هو فيه.

في جميع الأحوال، لن ينتصر مرتزقة الاحتلال الإيراني للبنان وسوريا، ولو كانت لديهم افضل دبابات الدنيا، وسواء أتوا من الضاحية الجنوبية أم من قم، وسيستمر شعب سوريا في مقاومتهم، وسيقهر دباباتهم ولو بأظافره، وسيريهم أن ما نشأ على باطل يبقى باطلا.

ومن يبني حساباته على قهر الأحرار سيكتشف انه عبد لا يصلح لأي تسيد، وأن خزينه من الدجل لن يضمن بقاء مناصريه ومحازبيه مغمضي الأعين، وانهم سيفتحون قريباً أعينهم على حقيقته وسيدركون حجم الورطات التي جرهم إليها في سوريا والعراق واليمن والبحرين والكويت.

وكي لا يرى ورطاته من يرسل أولادهم إلى الموت في كل مكان من سوريا، فإنه يبادر إلى إيهامهم انه لم يضعف، وانهم غير مهددين بحماقاته وجرائمه ضد اخوتهم العرب والمسلمين، وأن دباباته ستبقيهم خارج المخاطر، علماً بأنها اعظم خطر يتهددهم، وانهم ليسوا بحاجة إليها، بل بحاجة شديدة إلى إصلاح ذات البين مع من يقتلهم الحزب من اخوتهم وبني قومهم.

يرتكب الحزب جرائم يومية ضد عموم السوريين، هي في الوقت نفسه جرائم ضد شيعة لبنان، الذين لم يسبق لهم أن اعتدوا على من لم يعتد عليهم، أو أساؤوا لمن قام بواجبهم حيالهم، بكل ما تمليه الأخوة عليه من كرم أخوي يستحقونه، حين أجبرهم العدوان الإسرائيلي على مغادرة بيوتهم وقصدوا سوريا، فكان جزاء شعبها عند الحزب ما يرتكبه منذ أعوام من جرائم ضده!.