وقع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما قراراً إدارياً متعلقاً بـ«حالة الطوارئ الوطنية المرتبطة بالنشاطات السيبرانية المهمة البغيضة». وينص القرار على معاقبة الوكالات الروسية العسكرية والمخابراتية الأجنبية وكبار مسؤوليها، وثلاث شركات تكنولوجية روسية، وقرصانين مزعومين من الجنسيتين الروسية واللاتفية.
ويطالب القرار أيضاً بطرد 35 دبلوماسياً روسياً منحوا 72 ساعةً فقط لمغادرة أميركا. أما الرسالة الواضحة التي كشف عنها الإعلام وباتت بحكم الحقيقة التي لا جدال فيها، فهي أن روسيا قرصنت الانتخابات الأميركية.
ولم يسجل خرقاً على المشهد إلا كلام مستشارة الأمن القومي للبيت الأبيض ليزا موناكو، التي أبلغت الصحافيين بأن الدبلوماسيين الروس «لا توجد مزاعم بشأن تورطهم في عمليات قرصنة مرتبطة بالانتخابات» وفقاً لما نقلته بمحطة «سي إن إن» الأميركية.
كما لم يبدر أي مؤشر عن مكتب التحقيقات الفدرالية «إف.بي.آي» يدل على ملاحقة كل من القراصنة المدنيين المتهمين بسرقة هيئات تجارية إلكترونية وحسابات بنكية أميركية، والتأكيد على تورطهم بالقرصنة الانتخابية.
حتى الدليل التقني المزعوم، المشار إليه في تقرير مشترك لمكتب التحقيقات والأمن القومي ليس إلا مختصر فوضى عارمة لعدد من البرمجيات الخبيثة المنسوبة لهيئات روسية، والملفت تذييل التقرير بإخلاء للمسؤولية مفاده: «إن وزارة الأمن القومي لا تقدم أية ضمانات من أي نوع فيما يتعلق بالمعلومات الواردة في التقرير».
ويتضمن التقرير إلى جانب ذلك رسماً بيانياً للمعلومات، وآلية التحرك العامة لأدوات البرمجيات الخبيثة التي نسبت لمصادر روسية، غير أن تلك الأدوات متوفرة على نطاق واسع يمكن لأي شخص يقصد الأذى استخدامها.
ويقول كيرك وييب، أحد كبار المحللين في وكالة الأمن القومي أنه «لا توجد أدلة تؤكد ضلوع الروس في العملية».
أما المدير التقني السابق للوكالة ويليام بيني فقال في هذا الصدد: «لم يدلوا بأي معلومات تتعلق بعدد الحكومات الأخرى ومجموعات القراصنة الآخرين أو القراصنة الأفراد الذين اخترقوا المخادم. كما لم يقال شيء عن عدد الآخرين في العالم المتورطين الذين استعانوا بهذا النوع من الاعتداءات، ففي النهاية إنها سرقة موصوفة والكثير من الناس يعلمون بشأنها».
ووصف تحليل تقني للتقرير سلّطت ويكيليكس الضوء عليه ذلك النموذج من البرمجيات الخبيثة بـ«القديم والمستخدم على نطاق واسع وعلى أنه يبدو أوكراني الهوية، حيث لا توجد علاقة واضحة مع الاستخبارات الروسية». وتصر ويكيليكس بوصفها مصدر نشر المواد المزعوم قرصنتها على مزاعمها القائلة بأن روسيا لا علاقة لها بالخرق الحاصل.
وقال جوليان آسانج، مدير موقع ويكيليكس في حيث له مع شين هانيتي عبر محطة «فوكس»: «لقد قلنا مراراً وتكراراً وعلى امتداد الشهرين الفائتين بأن مصدرنا ليس الحكومة الروسية ولا حزباً في الدولة».
وقال بيني معلقاً: «لا يوجد ذكر لكيفية وصول المعلومات إلى موقع ويكيليكس، أما آسانج فهو مقيّد بالسفارة، لذا إن كل ما يفعله مراقب بشدة. ويعني ذلك أن وكالتي الاستخبارات الأميركية والبريطانية أو وكالة الأمن القومي ومكتب الاتصالات الحكومية البريطانية على علم بشبكة آسانج الاجتماعية وبالتالي بكل الضالعين في ويكيليكس، وهم يخضعون أيضاً لمراقبة مشددة.
وليس هناك ما يبرر لهما عدم معرفة موعد وهوية مرسل البيانات إلى ويكليكس، التي أتت نتيجة عملية القرصنة. وإن كان مصدر المعلومات من الداخل، فإن وكالة الأمن القومي لن تملك بالضرورة أي دليل على طريقة الحصول عليها».
والتزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالصمت ولم يردّ على مسألة الطرد على طريقة الحرب الباردة على ضباط الاستخبارات الروسية الذين يعملون تحت غطاء من الدبلوماسية، والذين كما أقر البيت الأبيض ليس لهم علاقة بأي عمليات قرصنة مزعومة للانتخابات الأميركية. وقد أشاد ترامب بردّ فعل بوتين ووصفه بالذكي جداً.
وإذا سلمنا جدلاً بأن أياً من عمليات التلاعب المزعومة بالانتخابات يمكن أن تعزى بشكل موثوق إلى حكومة أجنبية ما، فإن القانون الدولي لن يعتبر الأمر انتهاكاً على الأرجح لمبدأ عدم التدخل. وإن مثل أعمال التدخل تلك لا بد أن تنطوي على عامل الإكراه.
«يكمن الاختبار الحاسم في الإكراه» وفقاً لميثاق تالين. لذا يبرز السؤال التالي الذي يقول بأنه هل هناك أميركيون يشعرون بأنهم أجبروا قسراً على التصويت لدونالد ترامب وليس لهيلاري كلينتون؟ أشك بذلك. ويوجد على الرغم من ذلك قلة ممن يغالبهم التعب حيال محاولة إدارة أوباما نفسها التلاعب بالمواطنين الأميركيين في هذا الشأن.