أنهى دونالد ترامب، مؤخراً، آخر تسع مسيرات شكر لجمهوره، بعد انتهاء الانتخابات، ولكن لماذا أقام تلك المسيرات، ولماذا خطط لمزيد منها بعد أن أصبح رئيساً؟.

يشير أحد الأدلة إلى أن ترامب حشد تلك المسيرات في الولايات التي فاز بها، إذ يبدو أن معظم الحاضرين قد صوتوا لصالحه، وهم البيض بغالبية ساحقة.

أما بالنسبة إلى الدليل الثاني، فبدلاً من أن يحض الرئيس المنتخب أتباعه على دفن الأحقاد، عمد لتحريضهم، قائلاً: «تلك حركة مدروسة»، وقال لحشد في أورلاندو بفلوريدا، خلال فترة الترشح للانتخابات: «لقد كنتم أيها الناس أشراراً، وشديدين، وتصرخون منادين بالجدار، نريد الجدار، أعني لقد كنتم مجانين، وسيئين». وقد سبق لترامب أن نعت مؤيديه بالوحوش البرية.

وفيما يتعلق بالدليل الثالث لإجراء المسيرات، فبدلا من التحول عن شن الحملات إلى الحكم، كانت مسيرات ترامب، بعد الانتخابات، مطابقة للمسيرات التي أجراها عندما كان مرشحاً، وذلك بالنموذج عينه، والتعهدات ذاتها، مثل قوله (سنبني جداراً عظيماً). إلى جانب الإدانات ذاتها لوسائل الإعلام «الكاذبة».

بدلاً من استخدام المسيرات للصفح عن أولئك الذين وجهوا له الانتقادات خلال الحملة، وظف ترامب المسيرات لتصفية الحسابات، ليعمد لانتقاد السياسيين المعارضين لترشحه، مثل حاكم ولاية أوهايو جون كاسيتش، فضلا عن استهدافه الشخصيات الإعلامية التي تنبأت بخسارته.

يتعهد ترامب بمواصلة تلك المسيرات عقب حلوله كرئيس للبلاد، على غرار ما قاله للجمهور في مدينة موبيل بألاباما: «يقال إنه لا ينبغي لي شن المسيرات بصفتي رئيساً، إلا أنني أعتقد أنه يتوجب علينا فعل ذلك، لقد أنجزنا كل شيء آخر بصورة مغايرة، وهذه هي الطريقة لإيصال الكلمة الصادقة».

وشأن تغريداته المتواصلة، فإن هدف ترامب من تلك المسيرات يكمن في الاتصال المباشر مع قاعدة كبيرة من الأتباع الذين يتمتعون بالحماسة، ممن سيصدقون ما يقوله، ولذلك يرفض دونالد ترامب الحقائق المتأتية من وسائل الإعلام الرئيسية، والمحللين البارزين، والوكالات الحكومية التي تجمع البيانات، والمجتمع العلمي.

خلال رحلة الشكر التي أكملها، أعلن ترامب، مرة تلو الأخرى، أن معدل الجرائم في البلاد هو الأكبر خلال 45 عاما، كما أنه يقول، مراراً وتكراراً، بأنه قد فاز في الانتخابات على نحو ساحق.

لقد ألح ترامب على أن هنالك تزويرا هائلا في الانتخابات، بينما في الحقيقة لم يكن هناك أي دليل على تزوير الاقتراع، على الإطلاق. (ما لم نأخذ بعين الاعتبار احتمال اختراق روسيا لنظام التصويت الخاص بنا، وهو أمر ينفيه ترامب).

تعتمد الديمقراطية على الحقيقة، لذلك فإن زعم ترامب بأن معدل الجرائم في ارتفاع، قد يؤدي لاستقطاب يدعم تبني سياسات جديدة، مثل تشديد إجراءات الشرطة وفرض العقوبات، وذلك عكس ما نريد.

كما أن إصراره على الفوز بأغلبية ساحقة، قد يمنحه تفويضاً بأنه لا يستحق ذلك الفوز، ناهيك عن أن إصراره على حدوث تزوير واسع النطاق، قد يضفي الشرعية على بذل المزيد من الجهود لقمع الأصوات من خلال بطاقات الهوية والمتطلبات الأخرى.

وفي حال تكراره وصف المسلمين بأنهم العدو، فقد يدعم الجمهور إجراءات ضبطهم ومراقبتهم، وفرض الرقابة على المساجد داخل أميركا، أو حتى تقييدهم.

بشكل مختصر، منحت المسيرات ترامب منصة غير مسبوقة ليتحدث فيها دون أن يخشى التناقضات، وليحرز تقدماً كبيراً أياً كانت الأجندات التي يسعى لتحقيقها، ولا يعتبر الأمر مصادفة في أن يواصل ترامب تشويه سمعة وسائل الإعلام، على الرغم من عدم عقده مؤتمراً صحافياً منذ شهر يوليو الماضي، ويمثل عزم الرئيس المنتخب على إيجاد قاعدة من المؤيدين المتحمسين الذين يصدقون أكاذيبه الكبيرة، تهديداً كبيراً للديمقراطية الأميركية.