بدأ الإرهاب في شبه جزيرة سيناء بمصر بصورة مفاجئة وشديدة القوة عام 2004، بتفجيرات عدة في طابا الملاصقة للحدود، وتحديداً في جنوب سيناء، موقعة عشرات القتلى ومئات الجرحى. وتكرر الأمر مرتين في العامين التاليين في كل من مدينتي شرم الشيخ ودهب جنوب سيناء، موقعاً عشرات آخرين من القتلى ومئات من الجرحى، كلهم من المدنيين.
واكتشفت السلطات الأمنية المصرية حينها، أن تنظيماً يدعى «التوحيد والجهاد»، هو الذي قام بتنفيذ تلك الهجمات الإرهابية، وهو الاسم نفسه الذي كان قد اتخذه التنظيم الأشهر بالعراق في ذلك الوقت، بقيادة الإرهابي المعروف أبو مصعب الزرقاوي.
وبهذا بدا واضحاً، وهو ما أكدته معلومات أمنية، أن الإرهاب الذي بدأ عنيفاً وقوياً في سيناء، مرتبط بطريقة أو بأخرى بتنظيمات إرهابية كبرى ودولية خارجها.
واتخذ هذا الارتباط شكلاً رسمياً بعد شهور قليلة من آخر تفجيرات سيناء، حينما أعلنت قيادات الجماعات الإرهابية الرئيسة في سيناء، بيعتها وولاءها لتنظيم القاعدة، الذي كان يقوده أسامة بن لادن ومعه الإرهابي المصري الهارب أيمن الظواهري.
وبعد وصول "الإخوان" لحكم مصر عامي 2012 و2013، وخلعهم منه بثورة الشعب المصري، حدث تغيران مهمان في المشهد الإرهابي بسيناء: الأول، توقفه بصورة شبه تامة بمناطق جنوب سيناء، وانتقاله ليتركز في شمال شرقي سيناء، وبالتحديد في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش. وكان التغير الثاني، هو إعلان التنظيم الجديد الذي قام بمعظم العمليات الإرهابية «أنصار بيت المقدس»، بيعته وولاءه لتنظيم داعش، الذي توجد قيادته في العراق.
ومنذ إعلان مبايعته لتنظيم داعش وتسمية نفسه «ولاية سيناء»، زاد هذا التنظيم الإرهابي من نشاطه بوضوح خلال السنوات الثلاث الأخيرة في مناطق شمال شرقي سيناء، المشار إليها، مركزاً عملياته بصورة خاصة ضد قوات الجيش والشرطة، والمواقع التابعة لهما. وقد بات مؤكداً من متابعة التنظيم الإرهابي في سيناء، أنه يسعى لكي يقدم نفسه عبر عملياته الإرهابية، كفرع ونسخة كاملة من التنظيم الأم في العراق وسوريا. وبدا واضحاً من متابعة عمليات التنظيم وأسلوب حركته ووسائل إعلامه، أنه يبحث بلا جدوى أو نجاح عن السيطرة على أية مساحة من أرض شمال شرقي سيناء، لكي يقدم نفسه للمصريين والعالم، باعتباره «ولاية» حقيقية لدولة حقيقية تملك الأرض والسيطرة عليها، وإدارة شؤون سكانها.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف للتنظيم الإرهابي في سيناء، وحماية نفسه من الفناء، تعمد اختباء واندساس عناصره بين سكان المنطقة الصغيرة التي ينشط فيها، والبالغ عددهم نحو 50 ألف نسمة، لكي يمنع قيام قوات الجيش والشرطة من مواجهته بصورة حاسمة والقضاء عليه. كذلك حاول التنظيم في حركته وعملياته الإرهابية، تطبيق نظرية تنظيم داعش الأصلي في «التمدد والبقاء» على أي مساحة من الأرض، لاستنساخ مقومات الدولة المزعومة، وفقاً لأدبيات التنظيم التي يعد أبرزها مؤلف «إدارة التوحش» لأبي بكر ناجي، الذي يقوم على فلسفة التوسع والتمدد.
وبالرغم من كل محاولات ذلك التنظيم الإرهابي، تطبيق نظرية تنظيم داعش في سوريا والعراق في شمال شرقي سيناء، إلا أنه فشل في هذا فشلاً ذريعاً. فلم ينجح في السيطرة، ولو على أمتار محدودة من أرض سيناء، ولم يستطع أن يستولي على أي منشأة رسمية تابعة للدولة، لكي يرفع عليها علم دولته المزعومة.
ولم يكن أمام التنظيم الإرهابي، سوى أن يعود للشكل المعروف لأقرانه من الكيانات الإرهابية التي تقوم بمهاجمة قوات الأمن والجيش ومنشآت الدولة بعمليات مسلحة بنظرية «اضرب واهرب»، وليس بنظرية التنظيم الأم، الذي يحمل اسمه، أي «داعش»، التي تتطلب الاستيلاء على الأرض وحكمها ومن يسكن عليها.
لقد كانت هناك ثلاثة أسباب رئيسة لفشل تطبيق نظرية «داعش» في سيناء، الأول هو رفض ومقاومة أهالي وقبائل شمال شرقي سيناء الباسلة، لأية سيطرة لهذا التنظيم الإرهابي عليهم وعلى أرضهم، وتعاونهم الكامل مع أجهزة الدولة المصرية من أجل القضاء عليه. والثاني، هو نجاح القوات المسلحة، ومعها قوات الشرطة، في تكبيد التنظيم خسائر مادية وبشرية فادحة، في عملياتها العسكرية المتواصلة ضده، جعلته يترنح بشدة خلال الفترة الأخيرة.
أما السبب الثالث، فهو ما صار التنظيم يعاني منه خلال الفترات الأخيرة من انشقاقات واسعة وكبيرة في صفوف أعضائه وقيادته، بعد تصفية غالبية هذه القيادة، والقضاء على مصادر تجنيد أعضائه، وقبل كل هذا، الرفض الحاسم من أهل سيناء له.