عندما فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب حظراً يصل مداه إلى 90 يوماً على لاجئي سبع دول مسلمة، رد ترودو على تويتر قائلا: «بالنسبة إلى الفارين من الاضطهاد والإرهاب والحرب فإن الكنديين سيرحبون بهم، بغض النظر عن الديانة. التنوع هو قوتنا». أهلاً بكم في كندا.
واحتفى النشطاء في جميع أنحاء العالم بهذه التغريدة. وما تردد في وسائل الإعلام أقل بكثير من ترحيب ترودو باللاجئين. وفي الحقيقة فإن كندا قدمت رعاية خاصة للاجئين السوريين والعراقيين.
وبالتالي هذه أخبار جيدة بالنسبة إلى الكنديين القلقين بشأن الأمن الوطني، صحيح؟ لا تقلقوا من تغريدات ترودو، لأن الحكومة تفرض قيوداً على رعاية اللاجئين الخاصة. ما عدا أن هناك عدداً أكبر ترعاه الحكومة لم يروج له بدقة.
واستقبلت كندا 39.671 لاجئ سوري منذ نوفمبر عام 2015. وبحسب البيانات الخاصة بالحكومة فإن معظم اللاجئين غير مهرة ويفتقرون إلى التعليم العالي ولا يتحدثون اللغة الإنجليزية ولا الفرنسية. وأشار مسح بشري، صادر عن جمعية المهاجرين من كولومبيا البريطانية إلى أن نحو 17 في المئة من اللاجئين الذين ترعاهم الحكومة الكندية حصلوا على عمل.
معظم هؤلاء الذين وجدوا وظائف يعملون في التجزئة، وحسن الضيافة، والتصنيع والبناء، والقطاعات التي لا تتطلب مهارة بعينها. والكثير من الموجة الأولى للاجئين يشتكون الآن من انتهاء أموال مساعدات السنة الأولى. وهناك تضارب دائم بين الصورة والحقيقة والأوهام التي يمكن استخدامها في استرضاء الجانبين اليميني واليساري من الطيف السياسي الكندي.
خذ اعلانات ترودو المتكررة عن أهمية التغير المناخي، التي ساعدته بالفوز بأصوات نشطاء البيئة. ومع ذلك، أشاد ترودو بإحياء دونالد ترامب، أخيرا، خط أنابيب كيستون «إكس إل»، على الرغم من أن المشروع أصبح في أعلى القوائم المستهدفة من نشطاء البيئة في كل من كندا والولايات المتحدة.
هذه ليست استراتيجية سيئة يطبقها ترودو.من الصعب اقناع الناس بالثورة ضد القائد الذي يسترضي المعارضين المحتملين من خلال قول كل الأشياء التي يريدون سماعها. إذ إن المصوتين ينحون نحو المقولات والتصريحات المقنعة أكثر من الأصوات البرلمانية. ولإظهار عدم وضوح آخر للصورة والحقيقة: كندا تعتبر الآن ثاني أكبر مصدر للسلاح إلى الشرق الأوسط (بعد الولايات المتحدة) بحسب مجلة «جينز ديفنس ويكلي»، التي تقيس الإنفاق العسكري.
وتشير، دراسة، «إبسوس»، أخيرا إلى أن الكنديين أقل اهتماماً بالتهديدات الخارجية مقارنة بالأميركيين. ويقول 39 في المئة من المشاركين في كندا إنهم يوافقون على أن البلاد يجب أن تأخذ خطوات أكبر لحماية نفسها من عالم اليوم، (مقارنة بـ47 في المئة من الأميركيين). الكنديون، في العموم، يفضلون أن تتركهم حكوماتهم وشأنهم، وأن لا تتدخل هي في الأمور كثيراً.
الطريقة التي يرد بها مواطنو البلاد على الآثار السلبية للعولمة، يمكن إرجاعها إلى تاريخ البلاد. كندا ليس لديها التاريخ الثوري الموجود في الولايات المتحدة أو فرنسا. وينحى الكنديون إلى التفاخر بالتفكير الدبلوماسي مقارنة مع القوة الأخرى. وعادة ما يصوت الكنديون قبل أن تصبح هناك مظاهرات في الشوارع.
ويستفيد ترودو من حقيقة أن كندا لم تنغمس كلياً في العولمة. وكان عند البلاد إحساس جيد في تجنب ايقاع نفسها في المشكلات ذاتها التي أوقعت أوروبا نفسها بها. وتفضل نوعاً من اتفاقات التجارة المتوازنة، التي تسعى لها المملكة البريطانية، في أعقاب التصويت على «البريكست». وتستفيد كندا أيضا من وجود الكثير من المساحة الجغرافية، بالإضافة إلى المحيط الذي يفصلها عن التسونامي الثقافي الذي تشهده أوروبا حالياً.
ليس لدى كندا الإحساس ذاته المتمثل في الاستعجال في اتخاذ القرارات، والموجود عند الدول الغربية الأخرى في هذه الفترة بالنسبة لردود الفعل المناهضة للعولمة. ضباب الحرب لا يعتبرونه الناس دائماً استراتيجية سيئة، طالما أنهم لم يلاحظوا تغيراً سلبياً في حياتهم اليومية. ويجب على الحكومة الكندية أن تنظر في هذا الأمر.