تميزت زيارة الرئيس الايراني إلى دول المنطقة، كما هو ظاهر، برغبة الجانب الإيراني في تخفيف الاحتقان مع دولها ، وهناك موافقة من مرشد الثورة خامنئي، على العديد من المقترحات التي نقلتها دولة الكويت للقيادة الإيرانية، بخصوص الشأن اليمني والسوري، والعلاقات مع دول الخليج، والحملات الإعلامية ضد دول الخليج، والتدخلات في البحرين، والموقف من السعودية.

هناك أسباب عديدة وراء الاستجابة الإيرانية لهذه المبادرة، وأعزيها لزيادة الضغوط على نظام ولاية الفقيه والمؤسسة الحاكمة.

أول هذه الأسباب، ما يتعلق بالوضع الداخلي الإيراني من التوتر مع الإصلاحيين، وزيادة نشاط الأحوازيين العرب، وضعف الاقتصاد الإيراني، والخسائر في سوريا، والفشل في العراق، وتردي الأحوال الاقتصادية والسياسية العراقية، نتيجة للتدخلات الإيرانية، فقد اعترف "بابي زاده" عضو برلمان النظام، بالوضع الاقتصادي المتدهور، وانخفاض عدد العمال أو طردهم.

وقال يوم الأحد 12 فبراير، تحت قبة برلمان النظام: نرى خلال السنوات الماضية، أن ما بين ألف وألفين من العمال الشاغلين في الشركات، تم إجبارهم على التقاعد القسري، ويتم طردهم من الشركات، وعلى سبيل المثال: شركة كارون من 14 ألف عامل، قلصت عدد عمالها إلى دون 3000 عامل.

أو شركة هفت تبة للقصف السكري التي تبلغ مساحة أراضيها 240000 دونم في محافظة خوزستان، قلصت عدد عمالها من 11 ألف إلى دون ألفين».

يضاف إلى ما سبق، رغبة نظام ولاية الفقيه في ترتيب أوراقه الداخلية، نظراً لاتساع الالتزامات المالية، والتبرم الشعبي وصراع الأجنحة في المؤسسات الإيرانية.

تأتي أيضاً المقاطعة الديبلوماسية الخليجية، بعد استدعاء السفراء الخليجيين، والضغط الإعلامي الذي مارسته الدول الخليجية، وإبراز دور المعارضة الإيرانية، كمجاهدي خلق والمنظمات الأحوازية العربية، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي تقوم بها مؤسسات نظام ولاية الفقيه والحرس الثوري ضد المجموعات الإيرانية المعارضة.

مع هذه الأسباب، التحركات السعودية الإقليمية مع دول الجوار غير العربية المحاذية لإيران، مثل تركيا وأذربيجان.

أيضاً، ضيق المناورة السياسية للجانب الإيراني في القضية السورية، وعدم تحقيق المكاسب المتوقعة، وظهور المعارضة السورية المسلحة والسياسية كطرف رئيس على طاولة المفاوضات، والفشل الإيراني في حصد النتائج المتوقعة في اليمن، وانكشاف الدور الإيراني في قضايا تسليح المتمردين الحوثيين، وتهديد الحوثي لمضيق باب المندب وحرية الملاحة الدولية.

ثم ظهور إدارة أميركية جديدة، تختلف في أسلوبها عن الإدارة السابقة، وتصريحات ونوايا الرئاسة الأميركية حول دعم إيران للإرهاب، والطلب الأميركي بمراجعة الاتفاق النووي مع إيران والدول الكبرى، والذي تم برعاية عمانية خلال العام الماضي.

فشل المشروع الإيراني في تطوير العلاقات الإيرانية-الأوروبية، كما كان متوقعاً، نظراً للسياسة الأميركية الجديدة ضد إيران، والحذر الأوروبي من هذه الإدارة الجديدة.

أيضاً التقارب الإسرائيلي- الأميركي، ومن ضمنه التعامل مع البرنامج النووي الإيراني التسليحي، وعدم وضوح الرؤية السياسية العالمية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبروز مشكلة اللاجئين السوريين كمشكلة عالمية، تسببت بها إيران والأسد وداعش، وارتفاع النزعات الوطنية الأوروبية ضد الجاليات الأخرى، وخصوصاً بعد مشكلة اللاجئين.

إضافة إلى دعم إيران للمنظمات الإرهابية، كحزب الله والحشد الطائفي في العراق، وتدخل هذه المنظمات السافر في سوريا والعراق.

بروز الدور التركي وتنسيقه السياسي مع الجانب الخليجي والروسي، ما خلق منافسة سياسية أخرى مع إيران.

أعتقد أن هذه الأمور السالف ذكرها، جعلت موقف نظام ولاية الفقيه يدرك الحاجة إلى تهدئة علاقاته غير المستقرة مع دول الجوار الخليجي، كخطوة أولى، وهو أسلوب معروف في السياسة الإيرانية، عند محاولة التفاوض والحصول على مكاسب سياسية عالمية، وقد حدث هذا الأمر قبيل اتفاقه النووي مع الدول الأخرى، حيث سعى الجانب الإيراني إلى تهدئة الأمور مع دول مجلس التعاون الخليجي.

كما أن الجانب الإيراني ينظر بعين القلق والشك من التصريحات الأميركية والرئيس ترامب ومستشاريه ضد إيران ومستقبل العلاقات مع أميركا، وأعتقد أن هذه الأمور السابقة، تشكل ضغطاً سياسياً واقتصادياً ودولياً على النظام الإيراني، ما جعله يلجأ لأسلوب التهدئة مع جيرانه الخليجيين كخطوة أولى، والذهاب إلى مسقط لنقل رسائل للإدارات الأوروبية والأميركية لبحث الاتفاق النووي، والتأكيد على بنوده.

كما أن وجود أمين عام للأمم المتحدة ذي بعد وإدراك في الشؤون الإنسانية واللاجئين، وتجاوزات إيران للشؤون الإنسانية داخلياً، يشكل عامل ضغط آخر على النظام الإيراني.

وبدون شك أن موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي كان مرحباً بتهدئة التوتر مع إيران، مع عدم الانصياع لرغباتها التوسعية وتدخلاتها الإقليمية في دول المنطقة، على شاكلة خلايا التجسس، وإذكاء نار الطائفية في بعض دول الخليج العربي.

وهي مبادرة تستحق الوقوف عليها ومناقشتها مع نظام ولاية الفقيه الإيرانية، فالكل في المنطقة يريد الهدوء والتنمية والسلام، بدون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن مشكلة الدولة الإيرانية، هو عدم قدرتها على ترجمة الحوارات السياسية إلى أفعال ملموسة على الأرض.

لأن صاحب القرار في هذه الأمور هي مؤسسات أخرى في الجسم الإيراني، كالحرس الثوري ووزارة الاستخبارات الإيرانية، كما أن التيار المتشدد في الجسم الإيراني، هو من له الكلمة الفاصلة، وليس التيار الإصلاحي أو الخطاب الديبلوماسي الذي يقوله وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف.

لذلك، نأمل أن تعي الدولة الإيرانية أن سياستها الثورية وخطابها التحريضي وخلط الخطاب الطائفي بالسياسة، لم يجلب لها إلا العزلة والكره لها في دول مجلس التعاون الخليجي، وهو واضح بين أوساط الشعب الخليجي، إلا ما ندر، ونأمل أن تتكلل جهود دولة الكويت بالتوافق بين دول الخليج العربي وإيران.

أما بالنسبة لوضع إيران السياسي مع الولايات المتحدة وصقور الجمهوريين، فهو موضوع يحتاج فيه المفاوض الإيراني لعقد صفقات سياسية أو تنازلات سرية ليست واضحة أمام الرأي العام الإيراني، لتحفظ له هيبته وادعاءاته بالقوة في شعار «الموت لأميركا والموت لإسرائيل»، فلا ماتت أميركا ولا اختفت إسرائيل، بالرغم من صراخ الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الطائفي والحوثي الانقلابي.

ما تريده دول الخليج العربي والدول العربية من إيران، أمر واضح وبسيط في السياسة الدولية، وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم دعم الإرهاب، ومنع حلقات التجسس، ووقف الخطاب التحريضي ضد السعودية والبحرين، واللجوء للتحكيم الدولي بين إيران والإمارات في احتلالها للجزر الإماراتية، وعدم المساعدة في قتل الشعب السوري.