آسيا أكبر قارات الأرض، وعليها يعيش أكثر من ثلثي سكان الكرة الأرضية، فقد تضاعف سكان آسيا أربع مرات فقط خلال القرن العشرين.
وللمفارقة العجيبة، فإن بعض الجغرافيين لا يعتبرون أوروبا، التي نسميها دائماً بالقارة الأوروبية إلا «زائدة غربية لقارة آسيا»، كما يجادل السيد باري كونليف- الأستاذ الفخري لعلم الآثار الأوروبية في جامعة أكسفورد- معللاً موقفه الجغرافي، بعدم وجود أي فاصل مادي منطقي بين القارة الأم، وزائدتها السياسية، على حد رأي الخريطة بين يدي السيد كونليف.
وبعيداً عن إشكاليات الجغرافيا، تفتح المملكة العربية السعودية اليوم فصلاً جديداً مع الشرق الكبير، الشرق الهادئ والصامت، الشرق الذي تكثُر جهاته، وكل جهة منه تعتبر نفسها مركزاً مختلفاً مهماً تداخلت التكتلات الاقتصادية أو التجارية مع العالم الخارجي، وكل خطوة باتجاه الشمس محسوبة، لذا كان تصريح رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق، عميقاً.
وهو يشيد بشرف اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، دولة ماليزيا، محطة أولى في جولته الآسيوية، خارج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد أشار نجيب عبد الرزاق إلى أنه من المنتظر، أن تخلق الاستثمارات السعودية الآلاف من فرص العمل، في واحدة من أقوى الاقتصادات الآسيوية استقراراً منذ سنين.
وتبدو اللغة الماليزية مليئة بالغبطة على لسان الحكومة الفخورة جداً، بأن الشركات الماليزية تم اختيارها، لتنفيذ مشاريع نوعية في أطهر بقاع الأرض على لسان عبدالرزاق: «وقد شمل ذلك تشغيل وصيانة الخط الجنوبي، لمترو المشاعر المقدسة، والعمل على جسر الجمرات، والمنطقة المحيطة بها في منى».
وختم رئيس الوزراء الماليزي تصريحاته، بشعور يلمسه السعودي مع المواطن الماليزي كلما التقاه: «إنه مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لنا، أن ماليزيا كانت جزءاً من الفريق، الذي صمم فندق برج ساعة مكة الملكية في المسجد الحرام».
ولم يذهب عبدالرزاق بعيداً، فقد توج السلطان محمد الخامس- ملك ماليزيا- خادم الحرمين الشريفين، بوسام التاج أرفع الأوسمة الماليزية، منوهاً بالعمق التاريخي بين البلدين خاصاً في كلمته خدمة الحجيج، وضيوف الرحمن من المعتمرين والزوار، بعد أن صرح الملك سلمان، بوقوف المملكة الدائم خلف كل ما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين في جهات الأرض.
تبدو الأرقام حاضرة على طاولة القارئ المتمعن، لهذا الاتجاه السعودي القديم الجديد، هذا الاتجاه الذي عرّفه الملك بالتعاون الثنائي، والعلاقات الاقتصادية، والاستثمار، لذا يبدو رقم التبادل التجاري قابلاً للزيادة، بشكل مُطرد في السنوات المقبلة مع الدول الآسيوية، التي ستشملها جولة الملك الحالية.
ولأننا في ماليزيا الآن، فيكفي القارئ العزيز أن يلمس رقم تبادل بحجم 32 مليار دولار في السنوات العشر الماضية، بين المملكة وماليزيا، كي يفهم بنفسه معنى العلاقات الاقتصادية والاستثمار.
وقبل أن يتجه الملك سلمان إلى إندونيسيا، التي تأتي عناوين صُحفها منذ إعلان الزيارة، بالآمال الكبيرة على المشاريع، التي ستوقع بين المملكة وإندونيسيا، ضمن خطة الملك الطموحة لإصلاح الاقتصاد وتنويع مصادر الاستثمار، فإن الأدوار التي ستلعبها البنوك والشركات الآسيوية، أدوار رئيسة في خطط المملكة، لتطوير الصناعات غير النفطية، وتوسيع استثماراتها الدولية.
تبدو النية السعودية اليوم أكثر وضوحاً وجدية في التكامل الاقتصادي، والاستثمارات الإقليمية، ذات النفس التاريخي الطويل، فإندونيسيا ستكون المحطة التالية، ومن ثم اليابان، فالصين، حيث العمالقة الأكثر صمتاً وإنتاجية، فالمالديف، وجمهورية بروناي، باتجاه الشرق الذي لا تنتهي جهاته، ولا تنقضي عجائبه!