يمكن القول، على الأقل، إن وفاة الدكتاتور الكوبي فيدل كاسترو، الذي اغتال شعبه وحول بلاده لسجن يقع في جزيرة، قد حققت شيئاً معيناً، وبعد مرور كل هذا الوقت على رحيله، فما زال يثير حمقى اليسار السياسي، الذين يواصلون تمجيد بطلهم الراحل.

لقد دفعني ذلك الأمر لتذكر شخص قد نسيته، من حياة أخرى، وذلك عندما كنت في سن التاسعة عشرة، وأعمل على متن سفينة تجارية، وكنت أخوض مجموعة من المغامرات، معتقداً حينها أني رجل بالغ.

لقد كان ذاك الرجل يدعى لويس. كان كوبياً وعضواً في طاقمنا على متن سفينة «ليبرتي» القديمة، التي تشغلها محركات الديزل القديمة، مع خمسة عنابر شحن، وأدوات رافعة، وألواح ومشمعات.

كان لويس زميلاً قاسياً وعنيفاً، تعرض للعنف في سجون كاسترو، وكان بطول شاهق، ويداه قويتان، إلا أن ساقيه كانتا ذابلتين، كما لو أنهما كانتا مصنوعتين من الورق، بسبب كل الضرب الذي تعرض له.

وقتها، عندما كان كاسترو قوياً وعلى قيد الحياة، تعرضت سفينتنا لأعطال في المحركات، وبدأت بالتوجه نحو المياه الكوبية، ليعتري لويس حينها بعض القلق، وألمح إلى أنه سيغرق نفسه.

لقد فكرت في لويس عندما توفي فيدل كاسترو، وهذه الايام استذكره ايضا، عندما وصف اليسار السياسي الدكتاتور المناهض للأميركيين، بأنه بطل، بدلاً من كونه قاتلاً.

قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو: «بينما يعتبر كاسترو شخصية جدلية، فإن كلاً من أنصاره وداعميه يعترفون كثيراً بتفانيه الكبير وحبه لشعبه الكوبي ومناصريه، وأولئك يملكون مشاعر عميقة تجاهه».

لم يكن ترودو وحيداً عندما يتعلق الأمر بالحماقة الليبرالية، وامتدح جيسي جاكسون، فيدل كاسترو، على غرار ما فعلت الطبيبة جيل ستاين، الزميلة السياسية الجديدة لهيلاري كلينتون، لتغرد سابقا في حسابها على موقع «تويتر»: «كاسترو كان رمزاً للنضال من أجل العدالة في ظل الإمبراطورية».

وقال الرئيس السابق باراك أوباما على نحو فاتر: «سيسجل التاريخ ويحكم على التأثيرات الكبيرة على هذه الشخصية المفردة وعلى العالم من حوله».

نعم، كان لكاسترو تأثير هائل، وتأثير حرب نووية كان يمكن أن يكون كبيراً، بالفعل، مع جلب كاسترو إغراء الصواريخ السوفييتية لكوبا.

لكن أوباما وترودو وستاين والآخرين، هم مجرد سياسيين حاليين وسابقين، إلا أن لويس، اللاجئ الكوبي، كان مجرد خادم على متن سفينتنا، ولم يكن لديه مكان آخر يتوجه إليه، وتمثل كل ما أراده بمكان للنوم والأكل.

كان طاقم السفينة من كافة الدول، مصريين وسوريين وسودانيين ويونانيين وإسبان وإيرانيين وعراقيين، ولويس.

كان لويس رجل شرطة في هافانا قبل الثورة الشيوعية في كوبا، وبعدها تم اعتقاله في السجن، ليتمكن من الخروج، بطريقة ما، وأينما توجهت سفينتنا كان هو معنا، طالما أن الوجهة ليست كوبا.

ولكن في إحدى الرحلات الصيفية، وعقب وصوله إلى غيانا، توجهنا مجدداً إلى نيو أورلينز لنقل شحنة من الحبوب، وهو ذلك الوقت الذي توقفت المحركات، وتوجهنا نحو المياه الكوبية.

وبينما كان المهندسون ينتظرون قدوم زورق نجاة، كان المناخ جيداً، دون رياح، وكان العمل سهلاً بالنسبة إلى طاقم السفينة، وقد طلب مني الجميع إخبارهم عن أميركا.

لم يقل لويس أي شيء، كان خائفاً من احتمال دخولنا المياه الكوبية، ومن أن تأخذه السفن الكوبية، ليعمد للإعلان بأنه سينتحر.

على الرغم من أننا لم نكن نحبه، بقينا معه في الليل حتى لا يرمي نفسه، وكان معظمنا يحكي القصص.

كان لويس صامتاً ومتململاً ومرعوباً، ويحك رأسه الحليق، ويومض بعينيه البنيتين.

في مساء اليوم التالي، رأى المهندسون أن القارب تحرك مجدداً، وبدأنا بالابتعاد عن حافة المياه الكوبية، وعندما حل الليل، اتكأ لويس على الجنب، وعقب أيام من الخوف الهادئ بدأ يتنفس الصعداء.

تمكنا من اللحاق السريع بالركب، وخلال وقت قريب جداً، كانت الدلافين تسبح مع السفينة، وتخرج من المياه على نحو سلس، وكانت السفينة تسير وسط ذلك الهدوء في الليالي السوداء.

كان كاسترو لا يزال حياً بدرجة كبيرة للغاية، وقوياً في حينها، وكان السوفييت أصدقاءه، لقد كان يبث التفرقة بين أبناء شعبه، بحيث بات أحدهم يقول أموراً مختلفة عن الآخرين، وكان لويس مكسوراً أيضاً.

بينما كنا نمضي في طريقنا، رفع لويس رأسه، وكان يتحدث وأضواء هافانا في الميمنة، وضوء المدينة متوهج في السماء، والدموع على وجهه، وهو يبتلع الهواء.