يتابع الجمهور العربي كل يوم العديد من المسلسلات الدرامية، وهي جزء من حياة الأسرة العربية التي تلتقي لمشاهدتها معاً، وتخلق متابعة هذه المسلسلات فرصة للاطلاع على أنماط من السلوكيات التي تتنوع فبعضها مقبول اجتماعياً، ويثير البعض الآخر تساؤلات حول مدى جدواها وقيمها.
لقد شاهد الجمهور العربي العديد من المسلسلات، وبعيداً عن التقييم الفني لهذه الأعمال من حيث إخراجها والأداء التمثيلي فإن مضامينها تقدم تساؤلات حول ما تُقدّمه للمشاهد العربي.
كانت تلك المسلسلات مليئة بالفانتازيا والحركة ، وحققت نسبة عالية من المشاهدة، وشاهد الجمهور فيها أنماطاً من القيم والسلوكيات السلبية مثل، قيم الخرافات والسحر والشعوذة في إطار مناخ ثقافي واجتماعي يؤمن بها.
ايضا ، قيم الفهلوة والبلطجة وتشجيعها كنشاط مقبول، عالم تعاطي المخدرات والعنف والجريمة والخروج منها في طرق لا تحقق العدالة، مشاهد العري والرقص والمجون، والأزياء الغريبة التي لا تقدم ما يمثل واقعنا الاجتماعي، استخدام لغة سوقية وبذيئة، ثم الأغاني الهابطة التي لا تحمل أي معنى وتفسد الذوق الفني لدى الجمهور.
هل ننتظر من الأسرة وهي تشاهد مثل هذه المسلسلات العربية أن تقوم بمناقشة أحداث المسلسلات وما تحتويه من سلوك وقيم؟ وهل تقوم بتفسيرها لأطفالهم؟.
أظن أن هذا البعد النقدي مفقود في حياتنا العربية.
يتابع المشاهد العادي العربي المسلسلات باعتبارها تسلية يومية، ولا ينتبه إلى الرسائل الضمنية لهذه المسلسلات فطبيعته تتسم بالبساطة والافتقار إلى الرؤية النقدية لما يشاهده.
تقدم المسلسلات الآن مزيجاً من السلوك الذي يمثله نمط السلوك الغربي خصوصا ما نشاهده في المسلسلات والأفلام الأميركية حيث نجد الحفلات الماجنة والعلاقات الاجتماعية غير الشرعية مقبولة جداً كأنها أمر اعتيادي في المجتمع.
ونشاهد أبطال المسلسلات وهم لا يفارقون الكأس والتدخين، ونشاهد الأزياء الغربية والتعري والمخدرات كأنها باتت جزءاً من حياتنا. إن المسلسلات تخلق عالماً زائفاً من الإثارة ونرى أن الشباب والمراهقين ينظرون إلى هذا العالم بشكل من الافتنان وهذا ما يجعل السلوك والقيم فيها مقبولة لديهم.
ولا تمثل مشاهد العنف وعالم الجريمة نمط حياة المجتمعات العربية التقليدية، هذه المشاهد التي أصبحت جزءا من الدراما العربية التي تُقلّد المسلسلات والأفلام الأجنبية وما تحمله من قيم غريبة، وأصبحت بذلك تكرّس نوعاً من الذائقة الجديدة التي تمثل القيم الغريبة وتعزز وجودها في المجتمعات العربية التي تعاني من الأمية والأمية الثقافية.
وهي مجتمعات فيها من يؤمن بالسحر والغيبيات، ويدمن أفرادها على مشاهدة المسلسلات وتتسلل قيمها إلى حياتهم دون أن يلاحظوا ذلك، لتصبح نمط أسلوب مقبول لديهم وهكذا نبتعد عن جوهر الخلق والمنطق والحياة الآمنة.
وتجري أحداث تلك المسلسلات وتتعقد على امتداد حلقاتها من خلال أحداث تعتمد على العنف والسحر واقتراف الجرائم ومع ذلك لا ينال المجرمون ما يستحقونه من عقاب، والعاقبة وخيمة حين يشاهد الأطفال والمراهقون كيف ينجح أولئك الذين يستخدمون أساليب البلطجة والعنف والجريمة، ولا نجد حلاً لأحداث المسلسلات إلا في النصف ساعة الأخيرة التي تكون أحياناً مفتعلة وغير مقنعة ووعظية.
وتحتاج مجتمعاتنا إلى دراما تستقي مادتها مما يعايشه الإنسان العربي، وهناك مشاكل اجتماعية عديدة تستحق التناول بدلاً من اللجوء إلى عالم الجريمة والمخدرات والسحر.
ونحتاج إلى مسلسلات تعالج المشكلات الاجتماعية وتكشف مظاهر الفساد وأسباب الفقروالجهل.
ونحتاج إلى مسلسلات تقدم نماذج من الشخصيات التي تُحتَذى وحياتنا العربية مليئة بالأشخاص الذين تمثل سير حياتهم قصص نجاح ومثالا للكفاح والمثابرة والتحدي، وهي قيم نحن بحاجة إلى غرسها لدى أبنائنا.