في الخامس والعشرين من مارس الجاري، ستحتفي دبي، مع العالم بأسره، باستضافتها لأحد أهم الأحداث في عالم سباقات الخيول ألا وهو «كأس دبي العالمي لسباق الخيل» بدورته الثانية والعشرين، والذي يحظى سنوياً بمشاركة نخبة من أفضل الخيول من مختلف أنحاء العالم للتنافس على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة التي اشتهرت عبر التاريخ بتراثها الغني وتقاليدها العريقة في هذا الميدان.
حيث يستقطب هذا الحدث اهتمام الآلاف من عشاق الخيول ورياضاتها الذين يحرصون على حضوره ومتابعة فعالياته من داخل الدولة وخارجها؛ إلا أن الكثيرين أيضاً ربما يتطلعون لمعرفة المزيد حول سباقات الخيول، معلومات بسيطة من شأنها أن تضيف أبعاداً جديدة إلى تجربتهم مع السباق.
فغالباً ما تكون لدى البعض أسئلة بسيطة تبحث عن إجابات قد لا تتوفر في الكتب والتقارير المتخصصة التي غالباً ما تُركّز على الأصول والنظريات أكثر من اهتمامها بشرح ماهية هذه الرياضة الرائعة للمبتدئين.
لذلك، أردت أن أشارككم بعض أفكاري عبر سلسلةٍ من المقالات، وحتى تاريخ انعقاد كأس دبي العالمي، أملاً في توضيح جوانب هامّة لهذه الرياضة وأسرارها لشريحةٍ أكبر من المهتمين.
من يشتري خيول سباق فإنه في واقع الأمر يستثمر في حلم وأمل وطموح.
والهدف بسيط إلاّ أنه صعب المنال، فكل مالك لخيول مهجّنة أصيلة يتمنى أن يمتلك خيله الموهبة التي تمكنه من الفوز بسلسلة من السباقات الكبيرة.
تمثل الجائزة المالية عائداً ممتازاً للاستثمار في هذه الخيول، كما أن نشوة مشاهدة الخيل وهو يحقق فوزاً تلو الآخر هي في حد ذاتها مكافأة إضافية.
الخيول التي ستشارك في السباقات الرئيسية في كأس دبي العالمي ستكون قد حققت هذا الحلم لملّاكها بدرجات متفاوتة. ولكن كما هي الحال في أية رياضة، مقابل كل خيل يصل إلى السباقات الكبرى، هناك المئات من الخيول التي لا تصل إلى هذا المستوى الرفيع. وهي من نواح متعددة تعتبر العمود الفقري لصناعة سباقات الخيل لأنها تملأ مضامير السباق حول العالم.
ولا يقتصر الأمر على السباقات الكبرى مثل كأس دبي العالمي. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة وبالتحديد في مضمارنا المتميز «ميدان»، هنالك العديد من السباقات التي تلائم مستويات جميع الخيول بدءاً من تلك التي تشارك للمرة الأولى وصولاً إلى المصنّفة ضمن المستوى الأول والأعلى في هذه الرياضة.
إلاّ أن حلم مُلّاك خيول السباق هو الحصول على خيل متميّز يجمع بين الصفات الرياضية والمثابرة والإرادة والثبات والاستمرارية بهدف الوصول إلى القمة.
هذا الحلم ليس من نسج الخيال، فتاريخ السباقات حافل بقصص عن خيول بدأت بشكل متواضع ولكنها تمكنت من تحقيق انتصارات عظيمة في المضمار.
إذاً، كيف يبحث المالك عن الخيل المنشود؟ الطريقة هي ذاتها تقريباً في كل مكان، حيث يعتمد غالبية المُلّاك على خبرة مدرِّب الخيل أو على وسيط لإيجاد خيل يناسب تطلعاتهم ومتطلباتهم.
هناك تركيز كبير على أصل الحصان ونَسَبِه؛ فمن الممكن تتبّع نسب الخيول المهجّنة الأصيلة (ثوروبريد) إلى 300 عام مضت، وتحديداً إلى الفحول العربية الثلاثة (دارلي أرابيان، وبيرلي تيرك، وجودولفين أرابيان) التي تُعتبر أصل السلالة.
لقد فُقِدت الأنساب السابقة لهذه الخيول، ما بين أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، ومع مرور الزمن، لكن جميع خيول السباقات المسجلة اليوم تعود في نسبها إلى واحد من هذه الفحول الثلاثة، وأحياناً إليها كلها.
من الطبيعي أن يركز من يستثمر في سلالات الخيل على الأجيال الحاليّة، إذ ينظرون إلى مدى النجاح الذي حققته الذريّة فضلاً عن جودة الفحل والفرس (أصل السلالة). وكما يُقال: «ابحث عن أحسن نَسَب وتأمّل بالأفضل».
وتشير النتائج إلى أن أفضل طريقة لإنتاج خيل بطل هي من فرس سباق ممتازة. إذا وضعنا هذا جانباً، هناك الكثير من نظريات التناسل، يتركّز بعضها على تهجين سلالات معيّنة، وأخرى تتمحور حول سلالة الفرس، بينما قد تدور أخرى حول أداء الخيول قريبة النسب.
تُدرج أسماء الخيول الفائزة بسباقات كبرى ومميّزة بخط عريض في كتيّبات المزادات، ما يدفع الناس للقول إن هذه الفرس تعود إلى أصول مميّزة وسجلّها مليء بالانتصارات. لكن الجزء الساحر في عالم سباقات الخيل هو أن النسل ليس كل شيء؛ فالخيل صاحب الأداء الأفضل قد يكون مجرد طفرة من طفرات الطبيعة.
النسل الجيد يعزز احتمالات الفوز، ولكن الحصان صاحب أفضل نسل في العالم قد يكون أداؤه عادياً في المضمار، أو ربما لا يصل إلى مضمار السباقات من الأساس. وفي المقابل قد تصبح خيول صغيرة السن، تنتمي لنسب عادي، وربما لم تكلف مالكها سوى بضع مئات من الدولارات، بطلة في السباقات. فالوضع هو ذاته في رياضات الخيول الأخرى، حيث يمكن لأكثر الخيول تواضعاً أن تنتصر.
المسألة إذاً لا تكمن فقط في الحصول على أفضل نسل، بل هناك عوامل أخرى كثيرة يجب أخذها في الحسبان. فمثلاً، هناك اختبارات وراثية تتنبأ بطول السباقات التي ستناسب الحصان على الأرجح.
ولكن ذوي الخبرة في الخيل يفضلون غالباً الاعتماد على نظرتهم وحَدْسِهم عند تقييم خيل معين لتحديد مدى أهليته للمشاركة في السباقات.
وتُباع الخيول المهيّأة للسباقات عادة في عمر السنة، ويسمى الواحد منها «الحولى – أي من أكملت منها عمر سنة». أما الخيول الأكبر سناً فتعرض عادةً للبيع وهي جاهزة للسباقات، في حين تتغيّر ملكية خيول أخرى عدة مرات أثناء مشاركتها في السباقات.
هناك تحديات جمّة تتعلق باختيار الحصان الذي يُحتمل أن يفوز في السباقات وهو في عمر السنة. وينظر من يشتري الخيل إلى أصالة النسب، بل ينظر أيضاً إلى مؤشرات مهمة أخرى مثل شكل الجسم وتكوينه، مع اهتمام خاص بالأرجل والحوافر، لأن وجود عيوب ولو كانت بسيطة في المهر قد تجعله غير مؤهل لمتطلبات التدريب.
شكل جسم المهر مهم أيضاً، أي طريقة وسلاسة حركته، ويبحث أصحاب الخبرة والحنكة في هذا المجال عن مؤشرات تدل على طباع الحصان ومقدرته على تحمل الضغوط الذهنية للتدريب والسباقات. فأهل الخبرة في هذا المجال غالباً ما ينظرون إلى الحركة السلسة والمتوازنة للخيل.
السرعة أيضاً هي بكل تأكيد أهم صفات خيل السباق، ولكن تبقى هذه الصفة مجرد انطباع وتقييم قبل أن يخوض الخيل غمار التدريب. وقد يستغرق هذا التقييم مشاركة الخيل في موسم أو موسمين من السباقات حتى تظهر مقدرة الخيل الحقيقية، ومما لا شك فيه فإن من يرغب في اقتناء خيل السباق يجب أن يتحلّى بميزة الصبر.
قد لا تفلح بعض المهور بتقديم أداء جيد تحت إشراف مدرب معين، إلاّ أن أداؤها قد يثمر كثيراً تحت إشراف آخر. كما أن أداء الخيل قد يصبح ممتازاً عند اتباع أسلوب تدريب معين، إلاّ أنه قد يسوء عند تطبيق أسلوب آخر. يعزى هذا الأمر إلى مرافق التدريب والمواقع المحيطة بها، وطبيعة أرضية المضمار أو حتى الفريق الذي يعمل تحت إشراف المدرِّب.
وتنقسم أرضيات مضامير السباق في العالم إلى ثلاثة أنواع، العشبية والترابية والاصطناعية، حيث يكون أداء بعض الخيول أفضل على أرضية معينة دون غيرها، بالإضافة إلى حالة المضمار نفسه.
وتؤثر حالة أرضية المضمار على الخيل؛ فقد يتمكن خيل معين من العدو بشكل أفضل على الأرضية اليابسة، في حين يرتاح آخر على الأرضية اللينة بعض الشيء.
خبراء الخيول المتمرّسون يستطيعون تمييز ومعرفة أفضل الأرضيات ملائمةً لحوافر بعض الخيول، تماماً مثلما تكون أحذية الجري ملائمة للجري على العشب أو الأرضية الترابية. هنالك عوامل كثيرة تسهم في أداء ناجح للخيل يتكلّل بالفوز، وهو ما يجعل هذه الرياضة تخلق تحدّياً جوهرياً لأهل الشأن في هذه الرياضة.