لم يبقَ على الموعد المحدد لانعقاد القمة العربية الثامنة والعشرين في 29 مارس الحالي، سوى أيام.. وعلى الرغم من تسارع وتيرة المحادثات التي يجريها الأمين العام للجامعة العربية، وعدد من وزراء الخارجية العرب، والمشاورات التي تجرى بين عواصم عربية متعددة، في محاولة لكي تكون قمة هذا العام، التي تنعقد في منطقة البحر الميت بالأردن، أحسن حظاً وأوفر نجاحاً من القمة السابعة والعشرين، التي عقدت في يوليو من العام الماضي، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، إلا أن نسبة التفاؤل بنجاح هذه القمة، لا تزال، حتى الآن، أقل من المتوقع.

ومع أنني كنت، ولا أزال، من القائلين بأن انعقاد القمم العربية هو في حد ذاته إنجاز ينبغي أن نحافظ عليه، وأن عالماً عربياً تنعقد فيه قمة تضم أهل الحل والعقد في الأمة العربية، لا تسفر إلا عن بيان إنشائي، يكرر ما صدر عن القمم السابقة، ويحيل إلى القرارات القديمة التي تسعى لإرضاء كل الأطراف، هو أفضل، على أي حال، من عالم عربي تتمزق فيه الصلات بين العواصم العربية على مستوى القمة.

وتوشك فيه أن تنقطع على مستوى الشعوب، على نحو يبدو معه وكأننا، نحن العرب، لم نكن يوماً واحداً في الدم والقربى ذوى رَحِم، ولا نزال في الجرح والآلام إخواناً. وكان ما يدفعني، ويدفع غيري، إلى هذا القول، أمل في أن يأتي اليوم الذي يصدر فيه عن القمة العربية بيان يقول جديداً، أو يسفر، على الأقل، عن وقف التدهور المتسارع في العلاقات بين أقطارها وشعوبها.

وحتى الآن، لم ترشح معلومات موثقة، حول جدول أعمال القمة العربية المرتقبة، أو عن احتمالات التوافق بين المشاركين فيها حوله، إلا أن كل الشواهد، تؤكد أن التغيرات التي شهدها العالم والإقليم خلال العام الذي انقضى بين قمتي «نواكشوط» و«البحر الميت»، لا بد أنها سوف تلقي بظلها على هذا الجدول.

وإن كان من السابق لأوانه الجزم بأن العرب سينجحون في التوافق حول سبل التعامل مع هذه المتغيرات التي يتصدرها، على الصعيد الدولي، فوز الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية، وزحف اليمين على السلطة في الاتحاد الأوروبي، ودخول الاتحاد الروسي بقوة على مساحة الصراع الدولي، خاصة ما يتصِّل منه بما يجرى على الساحة العربية، وبروز الصراع بين قوتين إقليميتين، هما إيران وتركيا، حول ما يجرى عندنا ومن حولنا.

ومع أن الظلال التي تلقيها هذه الشواهد كلها على الأوضاع الراهنة في الأمة العربية، توحي بأن الأمور قد ازدادت تعقيداً، على نحو يصعب معه على القمة العربية التوصل إلى حد أدنى من التوافق، إلا أن المتفائلين بإمكانية ذلك يذهبون إلى أن تكاثف هذه الظلال، قد يضطر القمة العربية، إلى التوصل إلى حد أدنى من التوافق، سواء رضي بعضها بذلك، أو أكره عليه، إذ لا بديل أمامها في هذا المناخ الإقليمي والدولي المرتبك، إلا أن تحاول استرداد الحد الأدنى من التوافق ومن العمل العربي المشترك، حتى لا تخسر كل شيء.

من بين المبررات التي يستند إليها المتفائلون، الذين يتوقعون أن تنتهي قمة البحر الميت إلى بيان حي، يختلف عن البيان الميت الذي أسفرت عنه قمة «نواكشوط»، قولهم إن الأمور على صعيد الحرب ضد الإرهاب في المنطقة، قد أسفرت، في العراق، عن تحرير أكثر من نصف مدينة «الموصل»، التي كانت «داعش» تحتلها.

كما أسفرت، على صعيد الحرب الأهلية في سوريا، عن عودة معظم الأطراف المتحاربة، إلى مائدة المفاوضات، فضلاً عن أن زحف اليمين المعادي للعرب وللمسلمين والمنحاز لليمين الإسرائيلي على السلطة في الغرب، أصبح يفرض على القمة العربية، أن تبذل كل جهودها لكي توقف التدهور والتفكك في الموقف العربي، إذ البديل عن ذلك، هو أن تلقى الأمة العربية المصير الذي انتهى إليه البحر الميت.

وهكذا، لم يعد أمامنا، نحن العرب، مفر من أن نسعى لإنجاح القمة العربية القادمة، مهما كان الثمن، وهو ما يعنى أن نسعى بجدية لإعادة إحياء نظرية الأمن القومي العربي المشترك، التي انهارت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وقادنا انهيارها التدريجي إلى ما نحن فيه الآن، وأن تعيد القمة العربية ترتيب أولوياتنا، على نحو يبدأ بالتوافق في ما بيننا حول حل المشاكل التي صنعناها لأنفسنا بأيدينا.

ولا يزال باستطاعتنا أن نحلها، عبر مصالحة عربية شاملة، أو أن نكف عن إضرام النيران فيها، أو أن نؤجل، على الأقل، البت فيها إلى ظروف أكثر ملاءمة مما نحن فيه الآن.

آن الأوان لكي نسعى جميعاً لإنهاء الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني، الذي أسفر عن ظاهرة هي الأولى من نوعها في التاريخ، هي إقامة دولتين لشعب واحد، لا تزال أراضيه كلها، ما احتل منها عام 1948 وما احتل عام 1967، تحت الاحتلال، إذ المستفيد الوحيد من هذا الانقسام، هو المحتل الذي لا يزال يهيمن على الدولتين، ويصر على حل الدولة الواحدة تحت الاحتلال.

وآن الأوان لكي نسعى جميعاً لوقف الحروب الأهلية، التي تشتعل منذ ست سنوات في أجزاء من خريطة الأمة، وتهدد ما تبقى منها بالمصير نفسه، وأن ندرك جميعاً، أن هذا النوع من الحروب، لا ينتهي عادة بمنتصر ومهزوم، بل يسفر دائماً عن تشريد الجميع.

وآن الأوان لكي ندرك جميعاً، أن الشعوب لا تقوم بالثورات، لكي تقسم أوطانها وتشرد أبناءها، ولكنها تفعل ذلك لكي تحقق وحدتها الوطنية، من خلال أنظمة ديمقراطية عصرية، تضمن لكل مواطنيها الحرية والإخاء والمساواة!