اللعب والنشاط العضلي وكثرة الحركة من ميزات الطفولة المبكرة، واللعب يحقق مجموعة من الإشباعات العاطفية حيث يتفاعل الطفل مع أقرانه، ويسد حاجاته البدنية التي تحتاج الى الحركة والنشاط اللذين يساعدان على النمو، ويحقق اللعب كذلك حاجات عقلية ومعرفية باكتساب مهارات ولغة وتصورات وإدراكات جديدة في تفاعله مع الآخرين، فاللعب كما يرى علماء النفس ينمي الذكاء ويدمج طبيعتنا الثلاثية «العقلية والبدنية والعاطفية» ويهيئ الأطفال لتعليم أرقى، وأفكار خلاقة، ويساعدهم على التحضير لكي يصبحوا آباء وأمهات فاعلين عندما يحين الوقت، فاللعب هو القوة الكبيرة في المجتمع والحضارة، وله دوره في تماسك البنيان الاجتماعي وهبوط القدرة على اللعب سيعكس نفسه في هبوط المجتمع ذاته.
يرى جيه سي بيرس J.C Pearce أن التخريب الذي يصنعه التلفزيون لا يتوقف على مضمونه، إذ أن تخريبه العصبي هو في الحقيقة الذي يقود إلى التخريب، وقد يكون ذلك أصعب من أن يتم إصلاحه، وذلك يظهر من خلال أن التلفزيون حَلّ محل رواية الحكايات في معظم البيوت، وقد حَوّل التلفزيون الراديو من راوٍ للقصص إلى صندوق موسيقى، وحَلّ كذلك محل المناقشات العائلية، وحَلّ محل طاولة العشاء التي كانت مائدة للحديث العائلي، وحيث بتنا نقضي مع التلفزيون وقتاً أطول من الوقت الذي كان الناس يقضونه مع الراديو قبل ظهور التلفزيون، وبينما كان الراديو يساعد على إثارة الخيال وساعد على تنشئة جيل كامل، فإن برامج التلفزيون أصبحت مُفسِدة بشكل مدهش وتقوم بالتخريب.
وحينما تشاهد العائلة التلفزيون نادراً ما يلعب الوالدان مع أطفالهما فالجميع يجلسون أمامه، وحتى إن اللعب بين الأشقاء اختفى، وهكذا فليس هناك إمكانية للعب ولتنمية خيال الطفل داخلياً، والألعاب الإلكترونية لا يمكنها أن تَحلّ محل اللعب الخلّاق.
ويقوم التلفزيون بتزويد الطفل بفيضان من الصور في الوقت الذي - من المفترض - أن يتعلم دماغه صنع الصور في داخله، وبينما كانت رواية الحكايات تزود الطفل بحافز يجلب معه استجابة للتخيل جاعلاً ذلك شاملاً جميع طبيعة البشرية الثلاثية «العقلية والبدنية والعاطفية»، فإن التلفزيون يقوم بتزويد دماغ الطفل بالحافز والاستجابة معاً كتأثير واحد مزدوج، وهنا يكمن الخطر، إذ يغمر التلفزيون الدماغ باستجابات مزيفة، بينما من المفترض أن يتعلم دمـــــــاغ الطفل الاستجابة لحوافز الكلمات أو الموسيقى، ونتيجة لذلك فإن المزاوجة بين الدماغ والبيئة يتم القضاء عليها، وينمو لدى الطفل قليل من الصور الخيالية والقليل من البنى الرمزية هذا إذا كانت أصلاً سوف توجد.
ونتيجة لذلك فإن عدم وجود قدرة تخيلية داخلية للطفل سوف تترك دماغه غير مستخدم بشكل ملائم، ولذلك فإن الطفل الذي لا يستطيع التخييل فإنه لا يستطيع التعلّم بشكل جيد ولذا يشعر بأنه ضحية للبيئة، وقد أظهرت دراسات حديثة أن الأطفال غير الخياليين يميلون للعنف أكثر من الأطفال الخياليين وذلك لأنهم لا يستطيعون تخيل بديل مناسب عندما تواجههم المشكلات، أو معلومات حسّاسة يمكن أن تهددهم أو تهينهم، أو عندما تصلهم معلومات غير سارة أو غير مجزية.
وما نريد التأكيد عليه أن لا بد من أن ننظر إلى التلفزيون باعتباره عاملاً ضمن عوامل أخرى تشكل حياة الأفراد والمجتمعات سلباً وإيجاباً، فأسلوب توظيف هذه الوسيلة هو الذي يحدد دورها وفاعليتها إلى جانب الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية.
وتماماً مثلما يمكن للأسرة الفاضلة التي تعنى بتربية ابنها عناية خاصة أن تُربّي طفلاً فاضلاً كنتاج لهذه البيئة الصالحة.
كذلك يمكن القول عمّا يقدمه التلفزيون من برامج خاصة تلك الموجهة للطفل يمكن أن تترك أثرها على سلوك الطفل ومعرفته، كذلك فإن عادة المشاهدة التي تتاح للطفل يجب ألا تكون على حساب نشاط اللعب، على الآباء والأمهات أن يتركوا مساحة لأطفالهم لأن يلعبوا.