قبل آلاف السنين، كانت الخرائط التي تعد مخططات للقارات والبلاد غير معروفة، لكن مع بدء عدد أكبر من الناس بالسفر في العالم للتجارة والاستكشاف ولأسباب أخرى زاد الطلب على الخرائط الجيدة، ولدينا هنا، إحدى قصص المسلمين في العالم، وهي قصة تثبت أن هذه المنطقة خلاقة ومبدعة.

ويحدثنا المؤرخون بأن أثمن الخرائط رسمها علماء كبار ينتمون إلى الحضارة الإسلامية، والذين جمعت كل المعرفة الجغرافية المتاحة لهم، ورسموا كذلك اعتماداً على رؤية شهود العيان للعالم في العصور الوسطى، والتي استمدت من جغرافيين ورحالة مسلمين، كتبوا يوميات مفصلة خلال ترحالهم.

وأنجز العلامة الإدريسي في القرن الثاني عشر أطلساً أظهر معظم أوروبا وشمال أفريقيا وآسيا، للمرة الأولى، واعتمد الإدريسي على المعرفة القديمة، وقابل آلاف الرحالة لجعل خريطته أدق خريطة في عصره.

وأنجزت الخريطة بتكليف من روجر الثاني ملك صقلية، حيث دعا الإدريسي الذي كان يقيم في ذلك الوقت في الأندلس لرسم الخريطة له، واستغرقت المهمة 15 عاماً، وكانت صقلية في القرن الثاني عشر مفترق طرق عالمياً للحضارات والأفكار. وأصبح الإدريسي عضواً مبجلاً في بلاط الملك، قبل رجوعه إلى موطنه في المغرب، أخيراً.

ومع إدخال الورق إلى بغداد القرن الثامن الميلادي، أمكن إنجاز الخرائط وأدلة الرحالة الأولى، وأنجزت التقارير بتكليف من الخلفاء العباسيين لمساعدة أصحاب البريد العاملين لديهم على توصيل الرسائل لمن وجهت إليهم داخل امبراطوريتهم.

وبينما كان المسلمون يكتشفون العالم في أوروبا، كانت قلة من الناس باستثناء الفايكنغ ترتحل، وكانت معرفة الأوروبيين العاديين عن العالم من حولهم تقتصر على منطقتهم المحلية.

و يتمثل فارق بارز بين خرائط المسلمين والأوروبيين في أن المسلمين رسموها جاعلين الجنوب يواجه أعلى الخريطة والشمال يواجه الأسفل، وفي ذلك الوقت طور المسلمون علم الفلك والرياضيات بشكل أكثر دقة، وأصبح رسم الخرائط فرعاً من فروع العلوم.

وفي عام 1929 اكتشف الباحثون العاملون في متحف قصر طوبقابي في تركيا قسماً من خريطة للعالم تعود إلى أوائل القرن السادس عشر، وقعها القبطان التركي بيري محمد ريس مؤرخة في عام 1513.

وتعرف هذه الخريطة باسم «خريطة أميركا الشهيرة»، ورسمت عقب 21 عاماً من وصول كولومبوس إلى العالم الجديد.

وعندما اكتشفت خريطة بيري محمد ريس، ثارت ضجة كبيرة على امتداد العالم، بسبب صلتها بالخريطة المفقودة الآن والتي رسمها كولومبوس خلال رحلته الثالثة إلى العالم الجديد والتي بعث بها إلى اسبانيا عام 1498.

ومنذ وقت قريب، اكتشفت خريطة للعالم رسمها الأدميرال المسلم الصيني «زينغ هي». وترجع الخريطة إلى عام 1418. ورسم بيري محمد ريس خريطة ثانية للعالم عام 1528، وغطت هذه الخريطة منطقة الشمال الغربي من المحيط الأطلسي، وأظهرت العالم الجديد من فنزويلا وصولا إلى نيوفاوندلاند، وانبهر المؤرخون بثراء هذه الخريطة، ولكن للأسف عثر على شذرات منها فقط.

وولد بيري محمد ريس حوالي عام 1465 في غاليبولي، وبدأ حياته البحرية تحت قيادة عمه اللامع كمال ريس. ويلف الغموض صمته الطويل حتى عام 1528، عندما رسم الخارطة الثانية، وعودته للظهور في القرن السادس عشر، باعتباره قبطان الأسطول العثماني في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وكانت النهاية الحزينة حليفة بيري محمد ريس، حيث أعدم على يد السلطان العثماني لخسارته معركة بحرية حاسمة.

وهناك خرائط أخرى مهمة تتضمن 70 خريطة إقليمية رسمها الإدريسي للملك روجر الثاني في صقلية، وشكلت معاً أطلس العالم بحسب ما عرف آنذاك، وأجرى لقاءات مع آلاف الرحالة ورسم خرائط دقيقة، ولثلاثة قرون استنسخ الجغرافيون خرائطه من دون تغير.